الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَٱلْحَجِّ وَلَيْسَ ٱلْبِرُّ بِأَن تَأْتُواْ ٱلْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَـٰكِنَّ ٱلْبِرَّ مَنِ ٱتَّقَىٰ وَأْتُواْ ٱلْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }

بيان قوله تعالى { يسألونك } إلى قوله { والحج } ، الأهلة جمع هلال ويسمى القمر هلالاً أول الشهر القمري إذا خرج من تحت شعاع الشمس الليلة الأولى والثانية كما قيل، وقال بعضهم الليالي الثلاثة الأول، وقال بعضهم حتى يتحجر، والتحجر أن يستدير بخطة دقيقة، وقال بعضهم حتى يبهر نوره ظلمة الليل وذلك في الليلة السابعة ثم يسمى قمراً ويسمى في الرابعة عشر بدراً، واسمه العام عند العرب الزبرقان. والهلال مأخوذ من استهل الصبي إذا بكى عند الولادة أو صاح، ومن قولهم أهلّ القوم بالحج إذا رفعوا أصواتهم بالتلبية، سمي به لأن الناس يهلون بذكره إذا رأوه. والمواقيت جمع ميقات وهو الوقت المضروب للفعل، ويطلق أيضاً على المكان المعين للفعل كميقات أهل الشام وميقات أهل اليمن، والمراد ها هُنا الأول. وفي قوله تعالى { يسألونك عن الأهلة } ، وإن لم يشرح أن السؤال في أمرها عماذا؟ عن حقيقة القمر وسبب تشكلاتها المختلفة في صور الهلال والقمر والبدر كما قيل، أو عن حقيقة الهلال فقط، الظاهر بعد المحاق في أول الشهر القمري كما ذكره بعضهم أو عن غير ذلك. ولكن اتيان الهلال في السؤال بصورة الجمع حيث قيل { يسألونك عن الأهلة } دليل على أن السؤال لم يكن عن ماهية القمر واختلاف تشكلاته إذ لو كان كذلك لكان الأنسب أن يقال يسألونك عن القمر لا عن الأهلة وأيضاً لو كان السؤال عن حقيقة الهلال وسبب تشكله الخاص كان الأنسب أن يقال يسألونك عن الهلال إذ لا غرض حينئذ يتعلق بالجمع، ففي اتيان الأهلة بصيغة الجمع دلالة على أن السؤال إنما كان عن السبب أو الفائدة في ظهور القمر هلالاً بعد هلال ورسمه الشهور القمرية، وعبر عن ذلك بالأهلة لأنها هي المحققة لذلك فأجيب بالفائدة. ويستفاد ذلك من خصوص الجواب قل هي مواقيت للناس والحج، فإن المواقيت وهي الأزمان المضروبة للأفعال، والأعمال إنما هي الشهور دون الأهلة التي ليست بأزمنة وإنما هي أشكال وصور في القمر. وبالجملة قد تحصل أن الغرض في السؤال إنما كان متعلقاً بشأن الشهور القمرية من حيث السبب أو الفائدة، فأجيب ببيان الفائدة وانها أزمان وأوقات مضروبة للناس في أُمور معاشهم ومعادهم فإن الإنسان لا بد له من حيث الخلقة من أن يقدر أفعاله وأعماله التي جميعها من سنخ الحركة بالزمان، ولازم ذلك أن يتقطع الزمان الممتد الذي ينطبق عليه أُمورهم قطعاً صغاراً وكباراً مثل الليل والنهار واليوم والشهر والفصول والسنين بالعناية الإلهية التي تدبر أمور خلقه وتهديهم إلى صلاح حياتهم، والتقطيع الظاهر الذي يستفيد منه العالم والجاهل والبدوي والحضري ويسهل حفظه على الجميع إنما هو تقطيع الأيام بالشهور القمرية التي يدركه كل صحيح الإدراك مستقيم الحواس من الناس دون الشهور الشمسية التي ما تنبه لشأنها ولم ينل دقيق حسابها الإنسان إلا بعد قرون واحقاب من بدء حياته في الأرض وهو مع ذلك ليس في وسع جميع الناس دائماً.

السابقالتالي
2 3 4