الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ }

بيان قوله تعالى { وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان } ، أحسن بيان لما اشتمل عليه من المضمون وأرق أسلوب وأجمله فقد وضع أساسه على التكلم وحده دون الغيبة ونحوها، وفيه دلالة على كمال العناية، بالأمر، ثم قوله عبادي، ولم يقل الناس، وما أشبه يزيد في هذه العناية، ثم حذف الواسطة في الجواب حيث قال فإني قريب ولم يقل فقل إنه قريب، ثم التأكيد بأن، ثم الإتيان بالصفة دون الفعل الدال على القرب ليدل على ثبوت القرب ودوامه، ثم الدلالة على تجدد الإجابة واستمرارها حيث أتى بالفعل المضارع الدال عليهما، ثم تقييده الجواب أعني قوله { أُجيب دعوة الداع } بقوله { إذا دعان } ، وهذا القيد لا يزيد على قوله دعوة الداع المقيد به شيئاً بل هو عينه، وفيه دلالة على أن دعوة الداع مجابة من غير شرط وقيد كقوله تعالىادعوني أستجب لكم } غافر 60، فهذه سبع نكات في الآية تنبئ بالاهتمام في أمر استجابة الدعاء والعناية بها، مع كون الآية قد كرر فيها - على إيجازها - ضمير المتكلم سبع مرات، وهي الآية الوحيدة في القرآن على هذا الوصف. والدعاء والدعوة توجيه نظر المدعو نحو الداعي، والسؤال جلب فائدة أو درّ من المسؤول يرفع به حاجة السائل بعد توجيه نظره، فالسؤال بمنزلة الغاية من الدعاء وهو المعنى الجامع لجميع موارد السؤال، كالسؤال لرفع الجهل والسؤال بمعنى الحساب والسؤال بمعنى الاستدرار وغيره. ثم إن العبودية كما مر سابقاً هي المملوكية ولا كل مملوكية بل مملوكية الإنسان، فالعبد هو من الإنسان أو كل ذي عقل وشعور كما في الملك المنسوب إليه تعالى. وملكه تعالى يغاير ملك غيره مغايرة الجد مع الدعوى والحقيقة مع المجاز، فإنه تعالى يملك عباده ملكاً طلقاً محيطاً بهم لا يستقلون دونه في أنفسهم ولا ما يتبع أنفسهم من الصفات والأفعال وسائر ما ينسب إليهم من الأزواج والأولاد والمال والجاه وغيرها، فكل ما يملكونه من جهة إضافته إليهم بنحو من الأنحاء كما في قولنا نفسه، وبدنه، وسمعه، وبصره، وفعله، وأثره، وهي أقسام الملك بالطبع والحقيقة وقولنا زوجه وماله وجاهه وحقه،- وهي أقسام الملك بالوضع والاعتبار - إنما يملكونه بإذنه تعالى في استقرار النسبة بينهم وبين ما يملكون أيّا ما كان وتمليكه، فالله عزَّ اسمه، هو الذي أضاف نفوسهم وأعيانهم إليهم ولو لم يشأ لم يضعف فلم يكونوا من رأس، وهو الذي جعل لهم السمع والأبصار والأفئدة، وهو الذي خلق كل شيء وقدره تقديراً. فهو سبحانه الحائل بين الشيء ونفسه، وهو الحائل بين الشيء وبين كل ما يقارنه من ولد أو زوج أو صديق أو مال أو جاه أو حق، فهو أقرب إلى خلقه من كل شيء مفروض، فهو سبحانه قريب على الإطلاق كما قال تعالى

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد