الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْراً ٱلْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَٱلأَقْرَبِينَ بِٱلْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى ٱلْمُتَّقِينَ } * { فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى ٱلَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } * { فَمَنْ خَافَ مِن مُّوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

بيان قوله تعالى { كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيراً الوصية } ، لسان الآية لسان الوجوب فإن الكتابة تستعمل في القرآن في مورد القطع واللزوم ويؤيده ما في آخر الآية من قوله حقاً، فإن الحق أيضاً كالكتابة يقتضي معنى اللزوم، لكن تقييد الحق بقوله على المتقين، مما يوهن الدلالة على الوجوب والعزيمة فإن الأنسب بالوجوب أن يقال حقاً على المؤمنين، وكيف كان فقد قيل إن الآية منسوخة بآية الإِرث، ولو كان كذلك فالمنسوخ هو الفرض دون الندب وأصل المحبوبية، ولعل تقييد الحق بالمتقين في الآية لإِفادة هذا الغرض. والمراد بالخير المال، وكأنه المال المعتد به، دون اليسير الذي لا يعبأ به والمراد بالمعروف هو المعروف المتداول من الصنيعة والإِحسان. قوله تعالى { فمن بدله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه } ، ضمير إثمه راجع إلى التبديل، والباقي من الضمائر إلى الوصية بالمعروف، وهي مصدر يجوز فيه الوجهان وإنما قال على الذين يبدلونه، ولم يقل عليهم ليكون فيه دلالة على سبب الإِثم وهو تبديل الوصية بالمعروف وليستقيم تفريع الآية التالية عليه. قوله تعالى { فمن خاف من موصٍ جنفاً أو إثماً فأصلح بينهم فلا إثم عليه } ، الجنف هو الميل والانحراف، وقيل هو ميل القدمين إلى الخارج كما أن الحنف بالحاء المهملة انحرافهما إلى الداخل، والمراد على أي حال الميل إلى الإِثم بقرينة الإِثم، والآية تفريع على الآية السابقة عليها، والمعنى والله أعلم فإنما إثم التبديل على الذين يبدلون الوصية بالمعروف، ويتفرع عليه أن من خاف من وصية الموصي أن تكون وصيته بالإِثم أو مائلاً إليه فأصلح بينهم برده إلى ما لا إثم فيه فلا إثم عليه لأنه لم يبدل وصيته بالمعروف بل إنما بدل ما فيه إثم أو جنف. بحث روائي وفي الكافي والتهذيب وتفسير العياشي - واللفظ للأخير - عن محمد بن مسلم عن الصادق عليه السلام سألته عن الوصية تجوز للوارث؟ قال نعم ثم تلا هذه الآية { إن ترك خيراً الوصية للوالدين والأقربين }. وفي تفسير العياشي عن الصادق عن أبيه عن علي عليه السلام قال من لم يوص عند موته لذوي قرابته ممن لا يرث فقد ختم عمله بمعصية. وفي تفسير العياشي أيضاً عن الصادق عليه السلام في الآية قال حق جعله الله في أموال الناس لصاحب هذا الأمر، قال قلت لذلك حد محدود، قال نعم، قلت كم؟ قال أدناه السدس وأكثره الثلث. أقول وروى هذا المعنى الصدوق أيضاً في الفقيه عنه عليه السلام وهو استفادة لطيفة من الآية بضم قوله تعالىالنبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أُمهاتهم وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين إلاَّ أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفاً كان ذلك في الكتاب مسطوراً }

السابقالتالي
2