الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ لَّيْسَ ٱلْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ ٱلْمَشْرِقِ وَٱلْمَغْرِبِ وَلَـٰكِنَّ ٱلْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَٱلْمَلاۤئِكَةِ وَٱلْكِتَابِ وَٱلنَّبِيِّينَ وَآتَى ٱلْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَامَىٰ وَٱلْمَسَاكِينَ وَٱبْنَ ٱلسَّبِيلِ وَٱلسَّآئِلِينَ وَفِي ٱلرِّقَابِ وَأَقَامَ ٱلصَّلاةَ وَآتَى ٱلزَّكَاةَ وَٱلْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَٱلصَّابِرِينَ فِي ٱلْبَأْسَآءِ وٱلضَّرَّآءِ وَحِينَ ٱلْبَأْسِ أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُتَّقُونَ }

بيان قيل كثر الجدال والخصام بين الناس بعد تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة وطالت المشاجرة فنزلت الآية. قوله تعالى { ليس البرّ أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب } ، البر بالكسر التوسع من الخير والإِحسان، والبر بالفتح صفة مشبهة منه، والقبل بالكسر فالفتح الجهة ومنه القبلة وهي النوع من الجهة، وذووا القربى الأقرباء، واليتامى جمع يتيم وهو الذي لا والد له، والمساكين جمع مسكين وهو أسوأ حالاً من الفقير، وابن السبيل المنقطع عن أهله، والرقاب جمع رقبة وهي رقبة العبد، والبأساء مصدر كالبؤس وهو الشدة والفقر، والضراء مصدر كالضر وهو أن يتضرر الإِنسان بمرض أو جرح أو ذهاب مال أو موت ولد، والبأس شده الحرب. قوله تعالى { ولكن البر من آمن بالله } ، عدل عن تعريف البر بالكسر إلى تعريف البر بالفتح ليكون بياناً وتعريفاً للرجال مع تضمنه لشرح وصفهم وإيماء إلى أنه لا أثر للمفهوم الخالي عن المصداق ولا فضل فيه، وهذا دأب القرآن في جميع بياناته فإنه يبين المقامات ويشرح الأحوال بتعريف رجالها من غير أن يقنع ببيان المفهوم فحسب. وبالجملة قوله { ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر } ، تعريف للأبرار وبيان لحقيقة حالهم، وقد عرّفهم أولاً في جميع المراتب الثلاث من الاعتقاد والأعمال والأخلاق بقوله { من آمن بالله } وثانياً بقوله { أُولئك الذين صدقوا } وثالثاً بقوله { وأُولئك هم المتقون }. فأما ما عرّفهم به أولاً فابتدأ فيه بقوله تعالى { من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين } ، وهذا جامع لجميع المعارف الحقة التي يريد الله سبحانه من عباده الإِيمان بها، والمراد بهذا الإِيمان الإِيمان التام الذي لا يتخلف عنه أثره، لا في القلب بعروض شك أو اضطراب أو اعتراض أو سخط في شيء مما يصيبه مما لا ترتضيه النفس، ولا في خلق ولا في عمل، والدليل على أن المراد به ذلك قوله في ذيل الآيه { أُولئك الذين صدقوا } فقد أطلق الصدق ولم يقيده بشيء من أعمال القلب والجوارح فهم مؤمنون حقا صادقون في إيمانهم كما قال تعالىفلا وربك لا يؤمنون حتى يحكّموك في ما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً } النساء 65، وحينئذٍ ينطبق حالهم على المرتبة الرابعة من مراتب الإِيمان التي مرّ بيانها في ذيل قوله تعالىإذ قال له ربه أسلم قال أسلمت } البقرة 131، ثم ذكر تعالى نبذاً من أعمالهم بقوله { وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة } ، فذكر الصلاة - وهي حكم عبادي - وقد قال تعالىإن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر } العنكبوت 45، وقالوأقم الصلاة لذكري }

السابقالتالي
2 3