الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلرَّحْمَـٰنُ ٱلرَّحِيمُ } * { إِنَّ فِي خَلْقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱخْتِلاَفِ ٱللَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ وَٱلْفُلْكِ ٱلَّتِي تَجْرِي فِي ٱلْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ وَمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مِن مَّآءٍ فَأَحْيَا بِهِ ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ ٱلرِّيَاحِ وَٱلسَّحَابِ ٱلْمُسَخَّرِ بَيْنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } * { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً للَّهِ وَلَوْ يَرَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ إِذْ يَرَوْنَ ٱلْعَذَابَ أَنَّ ٱلْقُوَّةَ للَّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعَذَابِ } * { إِذْ تَبَرَّأَ ٱلَّذِينَ ٱتُّبِعُواْ مِنَ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ ٱلْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ ٱلأَسْبَابُ } * { وَقَالَ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُواْ لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُواْ مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ ٱللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ ٱلنَّارِ }

بيان الآيات متحدة متسقة ذات نظم واحد - وهي تذكر التوحيد - وتقيم عليه البرهان وتذكر الشرك وما ينتهي إليه أمره. قوله تعالى { وإلهكم إله واحد } ، قد مرّ معنى الإِله في الكلام على البسملة من سورة الحمد في أول الكتاب، وأما الوحدة فمفهومها من المفاهيم البديهية التي لا نحتاج في تصورها إلى معرف يدلنا عليها، والشيء ربما يتصف بالوحدة من حيث وصف من أوصافه، كرجل واحد، وعالم واحد، وشاعر واحد، فيدل به على أن الصفة التي فيه لا تقبل الشركة ولا تعرضها الكثرة، فإن الرجولية التي في زيد مثلاً - وهو رجل واحد ليست منقسمة بينه وبين غيره، بخلاف ما في زيد وعمرو مثلاً - وهما رجلان - فإنه منقسم بين اثنين كثير بهما، فزيد من جهة هذه الصفة - وهي الرجولية - واحد لا يقبل الكثرة، وإن كان من جهة هذه الصفة وغيرها من الصفات كعلمه، وقدرته، وحياته، ونحوها ليس بواحد بل كثير حقيقة، والله سبحانه واحد، من جهة أن الصفة التي لا يشاركه فيها غيره، كالألوهية فهو واحد في الألوهية، لا يشاركه فيها غيره تعالى، والعلم والقدرة والحياة، فله علم لا كالعلوم، وقدرة وحياة لا كقدرة غيره وحياته، وواحد من جهة أن الصفات التي له لا تتكثر ولا تتعدد إلاَّ مفهوماً فقط، فعلمه وقدرته وحياته جميعها شيء واحد هو ذاته، ليس شيء منها غير الآخر بل هو تعالى يعلم بقدرته ويقدر بحياته وحيّ بعلمه، لا كمثل غيره في تعدد الصفات عيناً ومفهوماً، وربما يتصف الشيء بالوحدة من جهة ذاته، وهو عدم التكثر والتجزي في الذات بذاته، فلا تتجزىء إلى جزء وجزء، وإلى ذات واسم وهكذا، وهذه الوحدة هي المسماة بأحديه الذات، ويدل على هذا المعنى بلفظ أحد، الذي لا يقع في الكلام من غير تقييد بالإِضافة إلاَّ إذا وقع في حيز النفي أو النهي أو ما في معناهما كقولنا ما جاءني أحد، فيرتفع بذلك أصل الذات سواء كان واحداً أو كثيراً، لأن الوحدة مأخوذه في أصل الذات لا في وصف من أوصافه بخلاف قولنا ما جاءني واحد فإن هذا القول لا يكذب بمجيء اثنين أو أزيد لأن الوحدة مأخوذة في صفة الجائي وهو الرجولية في رجل واحد مثلاً فاحتفظ بهذا الإِجمال حتى نشرحه تمام الشرح في قوله تعالىقل هو الله أحد } الإخلاص 1، إن شاء الله تعالى. وبالجملة فقوله { وإلهكم إله واحد } ، تفيد بجملته اختصاص الألوهية بالله عز اسمه، ووحدته فيها وحدة تليق بساحة قدسه تبارك وتعالى، وذلك أن لفظ الواحد بحسب المتفاهم عند هؤلاء المخاطبين لا يدل على أزيد من مفهوم الوحدة العامة التي تقبل الانطباق على أنواع مختلفة لا يليق بالله سبحانه إلاَّ بعضها، فهناك وحدة عددية ووحدة نوعيه ووحدة جنسية وغير ذلك، فيذهب وَهْمُ كل من المخاطبين إلى ما يعتقده ويراه من المعنى، ولو كان قيل والله إله واحد، لم يكن فيه توحيد لأن أرباب الشرك يرون أنه تعالى إله واحد، كما أن كل واحد من آلهتهم إله واحد، ولو كان قيل وإلهكم واحد لم يكن فيه نص على التوحيد، لإِمكان أن يذهب الوهم إلى أنه واحد في النوع، وهو الألوهية، نظير ما يقال في تعداد أنواع الحيوان الفرس واحد، والبغل واحد، مع كون كل منهما متعدداً في العدد، لكن لما قيل { وإلهكم إله واحد } ، فأثبت معنى إله واحد - وهو في مقابل إلهين اثنين وآلهة كثيرة - على قوله إلهكم كان نصاً في التوحيد بقصر أصل الألوهية على واحد من الآلهة التى اعتقدوا بها.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد