الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلصَّفَا وَٱلْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ ٱللَّهِ فَمَنْ حَجَّ ٱلْبَيْتَ أَوِ ٱعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ ٱللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ }

بيان الصفا والمروة موضعان بمكة يأتي الحجاج بينهما بعمل السعي، وهما جبلان مسافة بينهما سبعمائة وستون ذراعاً ونصف ذراع على ما قيل، وأصل الصفا في اللغة الحجر الصلب الأملس، وأصل المروة الحجر الصلب، والشعائر جمع شعيرة، وهي العلامة، ومنه المشعر، ومنه قولنا أشعر الهدى، أي أعلمه، والحج هو القصد بعد القصد، أي القصد المكرر، وهو في اصطلاح الشرع العمل المعهود بين المسلمين، والاعتمار الزيارة وأصله العمارة لأن الديار تعمر بالزيارة، وهو في اصطلاح الشرع زيارة البيت بالطريق المعهود، والجناح الميل عن الحق والعدل، ويراد به الاثم، فيؤل نفي الجناح إلى التجويز، والتطوف من الطواف، وهو الدوران حول الشيء، وهو السير الذي ينتهي آخره إلى أوله، ومنه يعلم أن ليس من اللازم كونه حول شيء، وإنما ذلك من مصاديقه الظاهرة وعلى هذا المعنى أطلق التطوّف في الآية، فإن المراد به السعي وهو قطع ما بين الصفا والمروة من المسافة سبع مرات متوالية، والتطوع من الطوع بمعنى الطاعه، وقيل إن التطوع يفارق الإِطاعة في أنه يستعمل في المندوب خاصة، بخلاف الإِطاعة ولعل ذلك - لو صح هذا القول - بعناية أن العمل الواجب لكونه إلزامياً كأنه ليس بمأتي به طوعاً، بخلاف المأتيّ من المندوب فإنه على الطوع من غير شائبة، وهذا تلطف عنائي وإلاَّ فأصل الطوع يقابل الكره ولا ينافي الأمر الإِلزامي. قال تعالىقال لها وللأرض ائتيا طوعاً أو كرهاً } فصلت 11، وأصل باب التفعل الأخذ لنفسه، كقولنا تميز أي أخذ يميز، وتعلّم الشيء أي أخذ يعلمه، وتطوع خيراً أي أخذ يأتي بالخير بطوعه، فلا دليل من جهة اللغة على اختصاص التطوع بالامتثال الندبي إلاَّ أن توجبه العناية العرفية المذكورة. فقوله تعالى { إن الصفا والمروة من شعائر الله } إلى قوله { يطوف بهما } ، يشير إلى كون المكانين معلَّمين بعلامة الله سبحانه، يدلان بذلك عليه، ويذكر أنه تعالى واختصاصهما بكونهما من الشعائر دون بقية الأشياء جميعاً يدل على أن المراد بالشعائر ليست الشعائر التكوينية بل هما شعيرتان بجعله تعالى إياهما معبدين يعبد فيهما، فهما يذكّران الله سبحانه، فكونهما شعيرتين يدلّ على أنه تعالى قد شرع فيهما عبادة متعلقة بهما، وتفريع قوله { فمَن حجّ البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوّف بهما } إنّما هو للإِيذان بأصل تشريع السعي بين الصفا والمروة، لا لإِفادة الندب، ولو كان المراد إفادة النّدب كان الأنسب بسياق الكلام أن يمدح التَّطوف، لا أن ينفي ذمّه، فإن حاصل المعنى أنّه لمَّا كان الصّفا والمروة معبدين ومنسكين من معابد الله فلا يضرّكم أن تعبدوه فيهما، وهذا لسان التشريع، ولو كان المراد إفادة النّدب كان الأنسب أن يفاد أنّ الصَّفا والمروة، لمّا كانا من شعائر الله فإن الله يحبّ السعي بينهما - وهو ظاهر - والتعبير بأمثال هذا القول الذي لا يفيد وحده الإِلزام في مقام التشريع شائع في القرآن، وكقوله تعالى في الجهاد

السابقالتالي
2 3