الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذِ ٱبْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي ٱلظَّالِمِينَ }

بيان شروع بجمل من قصص إبراهيم عليه السلام وهو كالمقدمة والتوطئة لآيات تغيير القبلة وآيات أحكام الحج، وما معها من بيان حقيقة الدين الحنيف الإِسلامي بمراتبها من أصول المعارف، والأخلاق، والأحكام الفرعية الفقهية جملاً، والآيات مشتملة على قصة اختصاصه تعالى أيّاه بالإِمامة وبنائه الكعبة ودعوته بالبعثة. فقوله تعالى { وإذ ابتلى إبراهيم ربه } إلخ، إشارة إلى قصة إعطائه الإِمامة وحبائه بها، والقصة إنما وقعت في أواخر عهد إبراهيم عليه السلام بعد كبره وتولد إسماعيل، وإسحاق له وإسكانه إسماعيل وأمه بمكة، كما تنبه به بعضهم أيضاً، والدليل على ذلك قوله عليه السلام على ما حكاه الله سبحانه بعد قوله تعالى له { إني جاعلك للناس إماماً قال ومن ذريتي } ، فإنه عليه السلام قبل مجيء الملائكة ببشارة إسماعيل، وإسحاق، ما كان يعلم ولا يظن أن سيكون له ذرية من بعده حتى أنه بعد ما بشرته الملائكة بالأولاد خاطبهم بما ظاهره اليأس والقنوط كما قال تعالىونبئهم عن ضيف إبراهيم * إذ دخلوا عليه فقالوا سلاماً قال إنا منكم وجلون * قالوا لا توجل إنا نبشرك بغلام عليم * قال أبشرتموني على أن مسني الكبر فبم تبشرون * قالوا بشرناك بالحق فلا تكن من القانطين } الحجر 51-55، وكذلك زوجته على ما حكاه الله تعالى في قصة بشارته أيضاً إذ قال تعالىوامرأته قائمة فضحكت فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب * قالت يا ويلتي أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخاً إن هذا لشيء عجيب * قالوا أتعجبين من أمر الله رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد } هود 71-73، وكلامهما كما ترى يلوح منه آثار اليأس والقنوط ولذلك قابلته الملائكة بنوع كلام فيه تسليتهما وتطييب أنفسهما فما كان هو ولا أهله يعلم أن سيرزق ذرية، وقوله عليه السلام { ومن ذريتي } ، بعد قوله تعالى { إني جاعلك للناس إماماً } ، قول من يعتقد لنفسه ذرية، وكيف يسع من له أدنى درية بأدب الكلام وخاصة مثل إبراهيم الخليل في خطاب يخاطب به ربه الجليل أن يتفوه بما لا علم له به؟ ولو كان ذلك لكان من الواجب أن يقول ومن ذريتي إن رزقتني ذرية أو ما يؤدي هذا المعنى فالقصة واقعة كما ذكرنا في أواخر عهد إبراهيم بعد البشارة. على أن قوله تعالى { وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماماً } ، يدل على أن هذه الإِمامة الموهوبة إنما كانت بعد ابتلائه بما ابتلاه الله به من الامتحانات وليست هذه إلاَّ أنواع البلاء التي ابتلي عليه السلام بها في حياته، وقد نص القرآن على أن من أوضحها بلاء قضية ذبح إسماعيل قال تعالى

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10