الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ ٱلشَّيَـٰطِينُ عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَـٰنَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَـٰنُ وَلَـٰكِنَّ ٱلشَّيَـٰطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ ٱلنَّاسَ ٱلسِّحْرَ وَمَآ أُنْزِلَ عَلَى ٱلْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَـٰرُوتَ وَمَـٰرُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّىٰ يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ ٱلْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ ٱشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي ٱلآخِرَةِ مِنْ خَلَٰـقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } * { وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُواْ وٱتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ خَيْرٌ لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ }

بيان قوله تعالى { واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك } الخ، قد اختلف المفسرون في تفسير الآية اختلافاً عجيباً لا يكاد يوجد نظيره في آية من آيات القرآن المجيد، فاختلفوا في مرجع ضمير قوله اتَّبعوا، أهم اليهود الذين كانوا في عهد سليمان، أو الذين في عهد رسول الله صلى الله وعليه وآله وسلم أو الجميع؟ واختلفوا في قوله تتلوا، هل هو بمعنى تتبع الشياطين وتعمل به أو بمعنى تقرأ، أو بمعنى تكذب؟ واختلفوا في قوله الشياطين، فقيل هم شياطين الجن وقيل شياطين الإِنس وقيل هما معاً، واختلفوا في قوله { على ملك سليمان } ، فقيل معناه في ملك سليمان، وقيل معناه في عهد ملك سليمان وقيل معناه على ملك سليمان بحفظ ظاهر الاستعلاء في معنى على، وقيل معناه على عهد ملك سليمان، واختلفوا في قوله { ولكن الشياطين كفروا } ، فقيل إنهم كفروا بما استخرجوه من السحر إلى الناس وقيل إنهم كفروا بما نسبوه إلى سليمان من السحر، وقيل إنهم سحروا فعبّر عن السحر بالكفر، واختلفوا في قوله { يعلمون الناس السحر } ، فقيل إنهم القوا السحر إليهم فتعلموه، وقيل إنهم دلوا الناس على استخراج السحر وكان مدفوناً تحت كرسي سليمان فاستخرجوه وتعلموه، واختلفوا في قوله { وما أنزل على الملكين } ، فقيل ما موصولة والعطف على قوله { ما تتلوا } ، وقيل ما موصولة والعطف على قوله السحر، أي يعلمونهم ما أنزل على الملكين، وقيل ما نافية والواو استئنافية أي ولم ينزل على الملكين سحر كما يدعيه اليهود، واختلفوا في معنى الإِنزال فقيل إنزال من السماء وقيل بل من نجود الأرض وأعاليها، واختلفوا في قوله الملكين، فقيل كانا من ملائكة السماء، وقيل بل كانا إنسانين ملكين بكسر اللام إن قرأناه، بكسر اللام كما قرئ كذلك في الشواذ، أو ملكين بفتح اللام أي صالحين، أو متظاهرين بالصلاح. إن قرأناه على ما قرأ به المشهور، واختلفوا في قوله ببابل، فقيل هي بابل العراق وقيل بابل دماوند، وقيل، من نصيبين إلى رأس العين، واختلفوا في قوله { وما يعلمان } ، فقيل علّم بمعناه الظاهر، وقيل علّم بمعنى أعلم، واختلفوا في قوله { فلا تكفر } ، فقيل لا تكفر بالعمل بالسحر، وقيل لا تكفر بتعلمه، وقيل بهما معاً، واختلفوا في قوله { فيتعلمون منهما } ، فقيل أي من هاروت وماروت، وقيل أي من السحر والكفر، وقيل بدلا مما علماه الملكان بالنهي إلى فعله، واختلفوا في قوله { ما يفرقون به بين المرء وزوجه } ، فقيل أي يوجدون به حباً وبغضاً بينهما، وقيل إنهم يغرون أحد الزوجين ويحملونه على الكفر والشرك فيفرق بينهما اختلاف الملة والنحلة، وقيل إنهم يسعون بينهما بالنميمة والوشاية فيؤل إلى الفرقة، فهذه نبذة من الاختلاف في تفسير كلمات ما يشتمل على القصة من الآية وجملة، وهناك اختلافات أُخر في الخارج من القصة في ذيل الآية وفي نفس القصة، وهل هي قصة واقعة أو بيان على سبيل التمثيل؟ أو غير ذلك؟ وإذا ضربت بعض الأرقام التي ذكرناها من الاحتمالات في البعض الآخر، ارتقى الاحتمالات إلى كمية عجيبة وهي ما يقرب من ألف ألف ومائتين وستين ألف احتمال 4 ×39 ×24!.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10