الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ الۤـمۤ } * { ذَلِكَ ٱلْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ } * { ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱلْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلٰوةَ وَممَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ } * { وٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَآ أُنْزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِٱلآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ } * { أُوْلَـٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ }

بيان لما كانت السورة نازلة نجوماً لم يجمعها غرض واحد إلاَّ أن معظمها تنبىء عن غاية واحدة محصلة وهو بيان أن من حق عبادة الله سبحانه أن يؤمن عبده بكل ما أنزله بلسان رسله من غير تفرقة بين وحي ووحي، ولا بين رسول ورسول ولا غير ذلك، ثم تقريع الكافرين والمنافقين وملامة أهل الكتاب بما ابتدعوه من التفرقة في دين الله والتفريق بين رسله، ثم التخلص إلى بيان عدة من الأحكام كتحويل القبلة وأحكام الحج والإِرث والصوم وغير ذلك. قوله تعالى { الم } ، سيأتي بعض ما يتعلق من الكلام بالحروف المقطعة التي في أوائل السوَر، في أول سورة الشورى إن شاء الله، وكذلك الكلام في معنى هداية القرآن ومعنى كونه كتاباً. وقوله تعالى { هدىً للمتقين الذين يؤمنون } ، المتقون هم المؤمنون، وليست التقوى من الأوصاف الخاصة لطبقة من طبقاتهم، أعني لمرتبة من مراتب الإِيمان حتى تكون مقاماً من مقاماته نظير الإِحسان والإِخبات والخلوص، بل هي صفة مجامعة لجميع مراتب الإِيمان إذا تلبس الإِيمان بلباس التحقق، والدليل على ذلك أنه تعالى لا يخص بتوصيفه طائفة خاصة من طوائف المؤمنين على اختلاف طبقاتهم ودرجاتهم والذي أخذه تعالى من الأوصاف المعرِّفة للتقوى في هذه الآيات التسع عشرة التي يبيّن فيها حال المؤمنين والكفار والمنافقين، خمس صفات وهي الإِيمان بالغيب، وإقامة الصلاة، والإِنفاق مما رزق الله سبحانه، والإِيمان بما أنزله على أنبيائه، والإِيقان بالآخرة، وقد وصفهم بأنهم على هدى من ربهم فدلَّ ذلك على أن تلبسهم بهذه الصفات الكريمة بسبب تلبسهم بلباس الهداية من الله سبحانه، فهم إنما صاروا متقين أولي هذه الصفات بهداية منه تعالى، ثم وصف الكتاب بأنه هدى لهؤلاء المتقين بقوله تعالى { ذلِكَ الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين } فعلمنا بذلك أن الهداية غير الهداية، وأن هؤلاء وهم متقون محفوفون بهدايتين، هداية أولى بها صاروا متقين، وهداية ثانية أكرمهم الله سبحانه بها بعد التقوى وبذلك صحّت المقابلة بين المتقين وبين الكفار والمنافقين، فإنه سبحانه يجعلهم في وصفهم بين ضلالين وعماءين، ضلال أول هو الموجب لأوصافهم الخبيثة من الكفر والنفاق، وضلال ثان يتأكد به ضلالهم الأول، ويتصفون به بعد تحقق الكفر والنفاق كما يقوله تعالى في حق الكفارختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة } البقرة 7، فنسب الختم إلى نفسه تعالى والغشاوة إلى أنفسهم، وكما يقوله في حق المنافقينفي قلوبهم مرض فزادهم الله مرضاً } البقرة 10 فنسب المرض الأول إليهم والمرض الثاني إلى نفسه على حد ما يستفاد من قوله تعالىيضل به كثيراً ويهدي به كثيراً وما يضل به إلاَّ الفاسقين } البقرة 26 وقوله تعالى

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7