الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَٰتٍ قَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَيُّ ٱلْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَّقَاماً وَأَحْسَنُ نَدِيّاً } * { وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّن قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثاً وَرِءْياً } * { قُلْ مَن كَانَ فِي ٱلضَّلَـٰلَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ ٱلرَّحْمَـٰنُ مَدّاً حَتَّىٰ إِذَا رَأَوْاْ مَا يُوعَدُونَ إِمَّا ٱلعَذَابَ وَإِمَّا ٱلسَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضْعَفُ جُنداً } * { وَيَزِيدُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ٱهْتَدَواْ هُدًى وَٱلْبَاقِيَاتُ ٱلصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ مَّرَدّاً } * { أَفَرَأَيْتَ ٱلَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لأُوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَداً } * { أَطَّلَعَ ٱلْغَيْبَ أَمِ ٱتَّخَذَ عِندَ ٱلرَّحْمَـٰنِ عَهْداً } * { كَلاَّ سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ ٱلْعَذَابِ مَدّاً } * { وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْداً }

بيان هذا هو الفصل الثاني من كلماتهم المنقولة عنهم. وهو ردّهم الدعوة النبوية بأنها لا تنفع في حسن حال المؤمنين بها شيئاً ولو كانت حقة لجلبت إليهم زهرة الحياة الدنيا التي فيها سعادة العيش من أبنية رفيعة وأمتعة نفيسة وجمال وزينة، فالذي هم عليه من الكفر وقد جلب لهم خير الدنيا خير مما عليه المؤمنون وقد غشيهم رثاثة الحال وفقد المال وعسرة العيش، فكفرهم هو الحق الذي ينبغي أن يؤثر دون الإِيمان الذي عليه المؤمنون وقد أجاب الله عن قولهم بقوله { وكم أهلكنا } الخ، وقوله { قل من كان في الضلالة } الخ، ثم عقب ذلك ببيان حال بعض من اغترَّ بقولهم. قوله تعالى { وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات } إلى آخر الآية، المقام اسم مكان من القيام فهو المسكن، والنديّ هو المجلس وقيل خصوص مجلس المشاورة، ومعنى { قال الذين كفروا للذين آمنوا } أنهم خاطبوهم فاللام للتبليغ كما قيل، وقيل تفيد معنى التعليل أي قالوا لأجل الذين آمنوا أي لأجل إغوائهم وصرفهم عن الإِيمان، والأول أنسب للسياق كما أن الأنسب للسياق أن يكون ضمير عليهم راجعاً إلى الناس أعمّ من الكفار والمؤمنين دون الكفار فقط حتى يكون قوله { قال الذين كفروا } من قبيل وضع الظاهر موضع المضمر. وقوله { أي الفريقين خير مقاماً وأحسن ندياً } أي للاستفهام والفريقان هما الكفار والمؤمنون، وكان مرادهم أن الكفار هم خير مقاماً وأحسن نديّاً من المؤمنين الذين كان الغالب عليهم العبيد والفقراء لكنهم أوردوه في صورة السؤال وكنّوا عن الفريقين لدعوى أن المؤمنين عالمون بذلك يجيبون بذلك لو سئلوا من غير تردد وإرتياب. والمعنى وإذا تتلى على الناس - وهم الفريقان الكفار والمؤمنون - آياتنا وهي ظاهرات في حجتها واضحات في دلالتها لا تدع ريباً لمرتاب، قال فريق منهم وهم الذين كفروا للفريق الآخر وهم الذين آمنوا أيّ هذين الفريقين خير من جهة المسكن وأحسن من حيث المجلس - ولا محالة هم الكفار - يريدون أن لازم ذلك أن يكونوا هم سعداء في طريقتهم وملّتهم إذ لا سعادة وراء التمتع بأمتعة الحياة الدنيا فالحق ما هم عليه. قوله تعالى { وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أحسن أثاثاً ورءياً } القرن الناس المقترنون في زمن واحد، والأثاث متاع البيت، قيل لا يطلق إلا على الكثير ولا واحد له من لفظه، والرءي بالكسر فالسكون ما رئي من المناظر، نقل في مجمع البيان عن بعضهم أنه اسم لما ظهر وليس بالمصدر وإنما المصدر الرأي والرؤية يدلُّ على ذلك قوله { يرونهم مثليهم رأي العين } فالرأي الفعل، والرءي المرئي كالطحن والطِّحن والسَّقي والرَّمي والرِّمي. انتهى. ولما احتج الكفار على المؤمنين في حقّية ملَّتهم وبطلان الدعوة النبوية التى آمن به المؤمنون بأنهم خير مقاماً وأحسن نديّاً في الدنيا وقد فاتهم أن للإِنسان حياة خالدة أبدية لا منتهى لها وإنما سعادته في سعادتها والأيام القلائل التي يعيش فيها في الدنيا لا قدر لها قبال ما لا نهاية له ولا أنها تغني عنه شيئاً.

السابقالتالي
2 3 4 5 6