الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَقُولُ ٱلإِنسَانُ أَءِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيّاً } * { أَوَلاَ يَذْكُرُ ٱلإِنسَٰنُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً } * { فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَٱلشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيّاً } * { ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِن كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى ٱلرَّحْمَـٰنِ عِتِيّاً } * { ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِٱلَّذِينَ هُمْ أَوْلَىٰ بِهَا صِلِيّاً } * { وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِيّاً } * { ثُمَّ نُنَجِّي ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ وَّنَذَرُ ٱلظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً }

بيان عود إلى ما قبل قوله { وما نتنزل إلا بأمر ربك } الآيتين ومضيّ في الحديث السابق وهو كالتذنيب لقوله { فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيّاً } بذكر بعض ما تفوَّهوا به عن غيّهم وقد خصّ بالذكر قول لهم في المعاد وآخر في النبوة وآخر في المبدأ. ففي هذه الآيات أعني قوله { ويقول الإِنسان } إلى قوله { ونذر الظالمين فيها جثيّاً } وهي سبع آيات ذكر استبعادهم للبعث والجواب عنه وذكر الإِشارة إلى ما لقولهم هذا من التبعة والوبال. قوله تعالى { ويقول الإِنسان ءإذا ما متُّ لسوف أُخرج حياً } إنكار للبعث في صورة الاستبعاد، وهو قول الكفار من الوثنيين ومن يلحق بهم من منكري الصانع بل مما يميل إليه طبع الإِنسان قبل الرجوع إلى الدليل، قيل ولذلك نسب القول إلى الإِنسان حينما كان مقتضى طبع الكلام أن يقال ويقول الكافر، أو ويقول الذين كفروا " الخ " ، وفيه أنه لا يلائم قوله الآتي { فوربك لنحشرنهم والشياطين } إلى قوله { صليّاً }. وليس ببعيد أن يكون المراد بالإِنسان القائل ذلك هو الكافر المنكر للبعث وإنما عبّر بالإِنسان لكونه لا يترقب منه ذلك وقد جهّزه الله تعالى بالإِدراك العقلي وهو يذكر أن الله خلقه من قبل ولم يكُ شيئاً، فليس من البعيد أن يعيده ثانياً فاستبعاده مستبعد منه، ولذا كرّر لفظ الإِنسان حيث أخذ في الجواب قائلاً { أو لا يذكر الإِنسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئاً } أي إنه إنسان لا ينبغي له أن يستبعد وقوع ما شاهد وقوع مثله وهو غير ناسيه. ولعل التعبير بالمضارع في قوله { ويقول الإِنسان } للإِشارة إلى استمرار هذا الاستبعاد بين المنكرين للمعاد والمرتابين فيه. قوله تعالى { أو لا يذكر الإِنسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئاً } الاستفهام للتعجيب والاستبعاد ومعنى الآية ظاهر وقد أخذ فيها برفع الاستبعاد بذكر وقوع المثل ليثبت به الإِمكان، فالآية نظيرة قوله تعالى في موضع آخروضرب لنا مثلاً ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم قل يحييها الذي أنشأها أول مرة } يس 78 إلى أن قالأو ليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم } يس 81. فإن قيل الاحتجاج بوقوع المثل إنما ينتج إمكان المثل والمطلوب في إثبات المعاد هو رجوع الإِنسان بشخصه وعينه لا بمثله فإن مثل الشيء غيره، قيل إن هذه الآيات بصدد إثبات رجوع الأجساد والمخلوق منها ثانياً مثل المخلوق أولاً وشخصية الشخص الإِنساني بنفسه لا ببدنه فإذا خلق البدن ثانياً وتعلقت به النفس كان شخص الإِنسان الدنيوي بعينه وإن كان البدن وهو جزء الإِنسان بالقياس إلى البدن الدنيوي مثلاً لا عيناً وهذا كما أن شخصية الإِنسان ووحدته محفوظة في الدنيا مدى عمره مع تغير البدن وتبدّله بتغيّر أجزائه وتبدّلها حالاً بعد حال والبدن في الحال الثاني غيره في الحال الأول لكن الإِنسان باق في الحالين على وحدته الشخصية لبقاء نفسه بشخصها.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9