الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ ٱلنَّبِيِّيْنَ مِن ذُرِّيَّةِ ءَادَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَٱجْتَبَيْنَآ إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُ ٱلرَّحْمَـٰنِ خَرُّواْ سُجَّداً وَبُكِيّاً } * { فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَٱتَّبَعُواْ ٱلشَّهَوَٰتِ فَسَوْفَ يَلْقَونَ غَيّاً } * { إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُوْلَـٰئِكَ يَدْخُلُونَ ٱلْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ شَيْئاً } * { جَنَّاتِ عَدْنٍ ٱلَّتِي وَعَدَ ٱلرَّحْمَـٰنُ عِبَادَهُ بِٱلْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيّاً } * { لاَّ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً إِلاَّ سَلاَماً وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيّاً } * { تِلْكَ ٱلْجَنَّةُ ٱلَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيّاً }

بيان قد تقدم في الكلام على غرض السورة أن الذي يستفاد من سياقها بيان أن عبادته تعالى - وهو دين التوحيد - هو دين أهل السعادة والرشد من الأنبياء والأولياء، وأن التخلف عن سبيلهم بإضاعة الصلاة وأتباع الشهوات اتباع سبيل الغيّ إلا من تاب وآمن وعمل صالحاً فالآيات وخاصة الثلاث الأول منها تتضمن حاق غرض السورة وقد أوردته في صورة الاستنباط من القصص المسرودة فيما تقدم من الآيات، وهذا مما تمتاز به هذه السورة من سائر سور القرآن الطوال فإنما يشار في سائر السور إلى أغراضها بالتلويح في مفتتح السورة ومختتمها ببراعة الاستهلال وحسن الختام لا في وسطها. قوله تعالى { أُولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين } الخ، الإِشارة بقوله { أُولئك } إلى المذكورين قبل الآية في السورة وهم زكريا ويحيى ومريم وعيسى وإبراهيم وإسحاق ويعقوب وموسى وهارون وإسماعيل وإدريس عليهم السلام. وقد تقدَّمت الإِشارة إليه من سياق آيات السورة وأن القصص الموردة فيها أمثله، وأن هذه الآية واللتين بعدها نتيجة مستخرجة منها، ولازم ذلك أن يكون قوله { أُولئك } مشيراً إلى أصحاب القصص بأعيانهم مبتدأ، وقوله { الذين أنعم الله عليهم } صفة له، وقوله { إذا تتلى عليهم } الخ، خبراً له فهذا هو الذي يهدى إليه التدبر في السياق. ولو أُخذ قوله { الذين أنعم الله عليهم } خبراً لقوله { أُولئك } فقوله { إذا تتلى عليهم } الخ، خبر له بعد خبر لكنه لا يلائم غرض السورة تلك الملاءمة. وقد أخبر الله سبحانه أنه أنعم عليهم وأطلق القول فيهم ففيه دلالة على أنهم قد غشيتهم النعمة الإِلهية من غير نقمة وهذا هو معنى السعادة فليست السعادة إلا النعمة من غير نقمة فهؤلاء أهل السعادة والفلاح بتمام معنى الكلمة وقد أخبر تعالى عنهم أنهم أصحاب الصراط المستقيم المصون سالكه عن الغضب والضلال إذ قالاهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين } الفاتحة 6-7، وهم في أمن واهتداء لقولهالذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أُولئك لهم الأمن وهم مهتدون } الأنعام 82، فأصحاب الصراط المستقيم المصونون عن الغضب والضلال ولم يلبسوا إيمانهم بظلم في أمن من كل خطر يهدّد الإِنسان تهديداً فهم سعداء في سلوكهم سبيل الحياة التي سلكوها، والسبيل التي سلكوها هي سبيل السعادة. وقوله { من النبيين } من فيه للتبعيض وعديله قوله الآتي { وممن هدينا واجتبينا } على ما سيأتي توضيحه. وقد جوز المفسرون كون { من } بيانية وأنت خبير بأن ذلك لا يلائم كون { أُولئك } مشير إلى المذكورين من قبل، لأن النبيّين أعم، اللهم إلا أن يكون إشارة إليهم بما هم أمثلة لأهل السعادة ويكون المعنى أُولئك المذكورون وأمثالهم الذين أنعم الله عليهم هم النبيون ومن هدينا واجتبينا.

السابقالتالي
2 3 4 5 6