الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱذْكُرْ فِي ٱلْكِتَابِ مُوسَىٰ إِنَّهُ كَانَ مُخْلِصاً وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً } * { وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ ٱلطُّورِ ٱلأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيّاً } * { وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رَّحْمَتِنَآ أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيّاً } * { وَٱذْكُرْ فِي ٱلْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ ٱلْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً } * { وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِٱلصَّـلاَةِ وَٱلزَّكَـاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً } * { وَٱذْكُرْ فِي ٱلْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَّبِيَّاً } * { وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً }

بيان ذكر جمع آخرين من الأنبياء وشيء من موهبة الرحمة التي خصَّهم الله بها، وهم موسى وهارون وإسماعيل وإدريس عليهم السلام. قوله تعالى { واذكر في الكتاب موسى إنه كان مخلصاً وكان رسولاً نبياً } قد تقدم معنى المخلص بفتح اللام وأنه الذي أخلصه الله لنفسه فلا نصيب لغيره تعالى فيه لا في نفسه ولا في عمله، وهو أعلى مقامات العبودية. وتقدم أيضاً الفرق بين الرسول والنبي. قوله تعالى { وناديناه من جانب الطور الأيمن وقرَّبناه نجياً } الأيمن صفة لجانب أي الجانب الأيمن من الطور، وفي المجمع النجيّ بمعنى المناجي كالجليس والضجيع. وظاهر أن تقريبه عليه السلام كان تقريباً معنوياً وإن كانت هذه الموهبة الإِلهية في مكان وهو الطور ففيه كان التكليم، ومثاله من الحس أن ينادي السيد العزيز عبده الذليل فيقرّبه من مجلسه حتى يجعله نجيّاً يناجيه ففيه نيل ما لا سبيل لغيره إليه. قوله تعالى { ووهبنا له من رحمتنا أخاه هارون نبياً } إشاره إلى إجابة ما دعا به موسى عندما أُوحي إليه لأول مرة في الطور إذ قالواجعل لي وزيراً من أهلي هارون أخي اشدد به أزري وأشركه في أمري } طه 29-32. قوله تعالى { واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد } إلى آخر الآيتين. اختلفوا في { إسماعيل } هذا فقال الجمهور هو إسماعيل بن إبراهيم خليل الرحمن، وإنما ذكر وحده ولم يذكر مع إسحاق ويعقوب اعتناء بشأنه، وقيل هو غيره، وهو إسماعيل بن حزقيل من أنبياء بني إسرائيل، ولو كان هو ابن إبراهيم لذكر مع إسحاق ويعقوب. ويضعّف ما وجّه به قول الجمهور إنه استقلَّ بالذكر اعتناء بشأنه، أنه لو كان كذلك لكان الأنسب ذكره بعد إبراهيم وقبل موسى عليه السلام لا بعد موسى. قوله تعالى { وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة وكان عند ربه مرضيّاً } المراد بأهله خاصته من عترته وعشيرته وقومه كما هو ظاهر اللفظ، وقيل المراد بأهله أُمته وهو قول بلا دليل. والمراد بكونه عند ربه مرضيّاً كون نفسه مرضيَّة دون عمله كما ربما فسَّره به بعضهم فإن إطلاق اللفظ لا يلائم تقييد الرضا بالعمل. قوله تعالى { واذكر في الكتاب إدريس إنه كان صدِّيقاً نبياً } إلى آخر الآيتين. قالوا إن إدريس النبي كان اسمه أُخنوخ وهو من أجداد نوح عليهما السلام على ما ذكر في سفر التكوين من التوراة، وإنما اشتهر بإدريس لكثرة اشتغاله بالدرس. وقوله { ورفعناه مكاناً علياً } من الممكن أن يستفاد من سياق القصص المسرودة في السورة وهي تعدّ مواهب النبوَّة والولاية وهي مقامات إلهية معنوية أن المراد بالمكان العلي الذي رفع إليه درجة من درجات القرب إذ لا مزيَّة في الارتفاع المادي والصعود إلى أقاصي الجو البعيدة أينما كان.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8