الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱذْكُرْ فِي ٱلْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَّبِيّاً } * { إِذْ قَالَ لأَبِيهِ يٰأَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لاَ يَسْمَعُ وَلاَ يُبْصِرُ وَلاَ يُغْنِي عَنكَ شَيْئاً } * { يٰأَبَتِ إِنِّي قَدْ جَآءَنِي مِنَ ٱلْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَٱتَّبِعْنِيۤ أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً } * { يٰأَبَتِ لاَ تَعْبُدِ ٱلشَّيْطَانَ إِنَّ ٱلشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَـٰنِ عَصِيّاً } * { يٰأَبَتِ إِنِّيۤ أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ ٱلرَّحْمَـٰنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيّاً } * { قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يٰإِبْرَاهِيمُ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لأَرْجُمَنَّكَ وَٱهْجُرْنِي مَلِيّاً } * { قَالَ سَلاَمٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّيۤ إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّاً } * { وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَىۤ أَلاَّ أَكُونَ بِدُعَآءِ رَبِّي شَقِيّاً } * { فَلَمَّا ٱعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلاًّ جَعَلْنَا نَبِيّاً } * { وَوَهَبْنَا لَهْم مِّن رَّحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيّاً }

بيان تشير الآيات إلى نبذة من قصة إبراهيم عليه السلام وهي محاجّته أباه في أمر الأصنام بما آتاه الله من الهدى الفطري والمعرفة اليقينية واعتزاله إياه وقومه وآلهتهم فوهب الله له إسحاق ويعقوب وخصّه بكلمة باقية في عقبه وجعل له ولأعقابه ذكراً جميلاً باقياً مدى الدهر. قوله تعالى { واذكر في الكتاب إبراهيم إنه كان صدِّيقاً نبياً } الظاهر أن الصديق اسم مبالغة من الصدق فهو الذي يبالغ في الصدق فيقول ما يفعل ويفعل ما يقول لا مناقضة بين قوله وفعله، وكذلك كان إبراهيم عليه السلام قال بالتوحيد في عالم وثني وهو وحده فحاجَّ أباه وقومه وقاوم ملك بابل وكسر الآلهة وثبت على ما قال حتى أُلقي في النار ثم اعتزلهم وما يعبدون كما وعد أباه أول يوم فوهب الله له إسحاق ويعقوب إلى آخر ما عدَّه تعالى من مواهبه. وقيل إن الصدِّيق اسم مبالغة للتصديق، ومعناه أنه كان كثير التصديق للحق يصدقه بقوله وفعله، وهذا المعنى وإن وافق المعنى الأول بحسب المآل لكن يبعّده ندرة مجيء صيغة المبالغة من المزيد فيه. والنبي على وزن فعيل مأخوذ من النبأ سُمِّي به النبي لأنه عنده نبأ الغيب بوحي من الله، وقيل هو مأخوذ من النبوة بمعنى الرفعة سمي به لرفعة قدره. قوله تعالى { إذ قال لأبيه يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئاً } ظرف لإِبراهيم حيث إن المراد بذكره وذكر نبائه وقصته كما تقدم نظيره في قوله { واذكر في الكتاب مريم } وأما قول من قال بكونه ظرفاً لقوله { صدّيقاً } أو قوله { نبياً } فهو تكلف يستبشعه الطبع السليم. وقد نبَّه إبراهيم أباه فيما ألقى إليه من الخطاب أولاً أن طريقه الذي يسلكه بعبادة الأصنام لغو باطل، وثانياً أن له من العلم ما ليس عنده فليتبعه ليهديه إلى طريق الحق لأنه على خطر من ولاية الشيطان. فقوله { يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر } الخ، إنكار توبيخي لعبادته الأصنام وقد عدل من ذكر الأصنام إلى ذكر أوصافها { ما لا يسمع } الخ، ليشير إلى الدليل في ضمن إلقاء المدلول ويعطي الحجة في طي المدعي وهو أن عبادة الأصنام لغو باطل من وجهين أحدهما أن العبادة إظهار الخضوع وتمثيل التذلّل من العابد للمعبود فلا يستقيم إلا مع علم المعبود بذلك، والأصنام جمادات مصوّرة فاقدة للشعور لا تسمع ولا تبصر فعبادتها لغو لا أثر لها، وهذا هو الذي أشار إليه بقوله { لا يسمع ولا يبصر }. وثانيهما أن العبادة والدعاء ورفع الحاجة إلى شيء إنما ذلك ليجلب للعابد نفعاً أو يدفع عنه ضرراً فيتوقف ولا محالة على قدرة في المعبود على ذلك، والأصنام لا قدرة لها على شيء فلا تغني عن عابدها شيئاً بجلب نفع أو دفع ضرر فعبادتها لغو لا أثر لها، وهذا هو الذي أشار إليه بقوله { ولا يغني عنك شيئاً }.

السابقالتالي
2 3 4 5