الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي أَنْزَلَ عَلَىٰ عَبْدِهِ ٱلْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا } * { قَيِّماً لِّيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِّن لَّدُنْهُ وَيُبَشِّرَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً } * { مَّاكِثِينَ فِيهِ أَبَداً } * { وَيُنْذِرَ ٱلَّذِينَ قَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ وَلَداً } * { مَّا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلاَ لآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِباً } * { فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَىٰ آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُواْ بِهَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ أَسَفاً } * { إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى ٱلأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُم أَحْسَنُ عَمَلاً } * { وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيداً جُرُزاً }

بيان السورة تتضمن الدعوة إلى الاعتقاد الحق والعمل الصالح بالإِنذار والتبشير كما يلوح إليه ما افتتحت به من الآيتين وما اختتمت به من قوله تعالى { فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً }. وفيها مع ذلك عناية بالغة بنفي الولد كما يدل على ذلك تخصيص إنذار القائلين بالولد بالذكر ثانياً بعد ذكر مطلق الإِنذار أولاً أعني وقوع قوله { وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولداً بعد قوله { لينذر بأساً شديداً من لدنه }. فوجه الكلام فيها إلى الوثنيين القائلين ببنوة الملائكة والجن والمصلحين من البشر والنصارى القائلين ببنوة المسيح عليه السلام ولعل اليهود يشاركونهم فيه حيث يذكر القرآن عنهم أنهم قالوا عزير ابن الله. وغير بعيد أن يُقال إن الغرض من نزول السورة ذكر القصص الثلاث العجيبة التي لم تذكر في القرآن الكريم إلا في هذه السورة وهي قصة أصحاب الكهف وقصة موسى وفتاه في مسيرهما إلى مجمع البحرين وقصة ذي القرنين ثم استفيد منها ما استفرغ في السورة من الكلام في نفي الشريك والحث على تقوى الله سبحانه. والسورة مكية على ما يستفاد من سياق آياتها وقد استثنى منها قوله { واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم } الآية وسيجيء ما فيه من الكلام. قوله تعالى { الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجاً قيماً } العوج بفتح العين وكسرها الانحراف، قال في المجمع العوج بالفتح فيما يرى كالقناة والخشبة وبالكسر فيما لا يرى شخصاً قائماً كالدين والكلام. انتهى. ولعل المراد بما يرى وما لا يرى ما يسهل رؤيته وما يشكل كما ذكره الراغب في المفردات بقوله العوج - بالفتح - يقال فيما يدرك بالبصر سهلا كالخشب المنتصب ونحوه والعوج - بالكسر - يقال فيما يدرك بالفكر والبصيرة كما يكون في أرض بسيط يعرف تفاوته بالبصيرة وكالدين والمعاش انتهى. فلا يرد عليه ما في قوله تعالى { لا ترى فيها عوجاً - بكسر العين - ولا أمتا } فافهم. وقد افتتح تعالى الكلام في السورة بالثناء على نفسه بما نزل على عبده قرآناً لا انحراف فيه عن الحق بوجه وهو قيم على مصالح عباده في حياتهم الدنيا والآخرة فله كل الحمد فيما يترتب على نزوله من الخيرات والبركات من يوم نزل إلى يوم القيامة فلا ينبغي أن يرتاب الباحث الناقد أن ما في المجتمع البشري من الصلاح والسداد من بركات ما بثه الأنبياء الكرام من الدعوة إلى القول الحق والخلق الحسن والعمل الصالح وأن ما يمتاز به عصر القرآن في قرونه الأربعة عشر عما تقدمه من الأعصار من رقي المجتمع البشري وتقدمه في علم نافع أو عمل صالح للقرآن فيه أثره الخاص وللدعوة النبويه فيه أياديها الجميلة فللَّه في ذلك الحمد كله.

السابقالتالي
2 3 4 5