الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَوْمَ نُسَيِّرُ ٱلْجِبَالَ وَتَرَى ٱلأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً } * { وَعُرِضُواْ عَلَىٰ رَبِّكَ صَفَّاً لَّقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّن نَّجْعَلَ لَكُمْ مَّوْعِداً } * { وَوُضِعَ ٱلْكِتَابُ فَتَرَى ٱلْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يٰوَيْلَتَنَا مَالِ هَـٰذَا ٱلْكِتَابِ لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُواْ مَا عَمِلُواْ حَاضِراً وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً } * { وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاۤئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لأَدَمَ فَسَجَدُوۤاْ إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ ٱلْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً } * { مَّآ أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَلاَ خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ ٱلْمُضِلِّينَ عَضُداً } * { وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُواْ شُرَكَآئِيَ ٱلَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُمْ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُم مَّوْبِقاً } * { وَرَأَى ٱلْمُجْرِمُونَ ٱلنَّارَ فَظَنُّوۤاْ أَنَّهُمْ مُّوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُواْ عَنْهَا مَصْرِفاً } * { وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِن كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ ٱلإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً } * { وَمَا مَنَعَ ٱلنَّاسَ أَن يُؤْمِنُوۤاْ إِذْ جَآءَهُمُ ٱلْهُدَىٰ وَيَسْتَغْفِرُواْ رَبَّهُمْ إِلاَّ أَن تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ ٱلأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ ٱلْعَذَابُ قُبُلاً } * { وَمَا نُرْسِلُ ٱلْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَيُجَٰدِلُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِٱلْبَٰطِلِ لِيُدْحِضُواْ بِهِ ٱلْحَقَّ وَٱتَّخَذُوۤاْ ءَايَٰتِي وَمَآ أُنْذِرُواْ هُزُواً } * { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَٰتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي ءَاذَانِهِمْ وَقْراً وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَىٰ ٱلْهُدَىٰ فَلَنْ يَهْتَدُوۤاْ إِذاً أَبَداً } * { وَرَبُّكَ ٱلْغَفُورُ ذُو ٱلرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُم بِمَا كَسَبُواْ لَعَجَّلَ لَهُمُ ٱلْعَذَابَ بَل لَّهُم مَّوْعِدٌ لَّن يَجِدُواْ مِن دُونِهِ مَوْئِلاً } * { وَتِلْكَ ٱلْقُرَىٰ أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِداً }

بيان الآيات متصلة بما قبلها تسير مسيرها في تعقيب بيان أن هذه الأسباب الظاهرية وزخارف الدنيا الغارة زينة الحياة سيسرع إليها الزوال ويتبين للإِنسان أنها لا تملك له نفعاً ولا ضراً وإنما يبقى للإِنسان أو عليه عمله فيجازى به. وقد ذكرت الآيات أولاً قيام الساعة وجيء الإِنسان فرداً ليس معه إلا عمله ثم تذكر إبليس وإباءه عن السجدة لآدم وفسقه عن أمر ربه وهم يتخذونه وذريته أولياء من دون الله وهم لهم عدو ثم تذكر يوم القيامة وإحضارهم وشركاءهم وظهور انقطاع الرابطة بينهم وتعقب ذلك آيات أُخر في الوعد والوعيد، والجميع بحسب الغرض متصل بما تقدم. قوله تعالى { يوم نسير الجبال وترى الأرض بارزة وحشرناهم فلم نغادر منهم أحداً } الظرف متعلق بمقدر والتقدير { واذكر يوم نسير } وتسيير الجبال بزوالها عن مستقرها وقد عبر سبحانه عنه بتعبيرات مختلفة كقولهوكانت الجبال كثيباً مهيلاً } المزمل 14 وقولهوتكون الجبال كالعهن المنفوش } القارعة 5 وقولهفكانت هباء منبثاً } الواقعة 6، وقولهوسيرت الجبال فكانت سراباً } النبأ 20. والمستفاد من السياق أن بروز الأرض مترتب على تسيير الجبال فإذا زالت الجبال والتلال ترى الأرض بارزه لا تغيب ناحية منها عن أُخرى بحائل حاجز ولا يستتر صقع منها عن صقع بساتر، وربما احتمل أن تشير إلى ما في قولهوأشرقت الأرض بنور ربها } الزمر 69. وقوله { وحشرناهم فلم نغادر منهم أحداً } أي لم نترك منهم أحداً فالحشر عام للجميع. قوله تعالى { وعرضوا على ربك صفاً لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة } الخ السياق يشهد على أن ضمير الجمع في قوله { عرضوا } وكذا ضميراً الجمع في الآية السابقة للمشركين وهم الذين اطمأنوا إلى أنفسهم والأسباب الظاهرية التي ترتبط بها حياتهم، وتعلقوا بزينة الحياة كالمتعلق بأمر دائم باق فكان ذلك انقطاعاً منه عن ربهم، وإنكاراً للرجوع إليه، وعدم مبالاة بما يأتون به من الأعمال أرضى الله أم أسخطه. وهذه حالهم ما دام أساس الامتحان الإِلهي والزينة المعجلة بين أيديهم والأسباب الظاهرية حولهم ولما يقض الأمر أجله ثم إذا حان الحين وتقطعت الأسباب وطاحت الآمال وجعل الله ما عليها من زينة صعيداً جرزاً لم يبق إذ ذاك لهم إلا ربهم وأنفسهم وصحيفة أعمالهم المحفوظة عليهم، وعرضوا على ربهم - وليسوا يرونه رباً لهم وإلا لعبدوه - صفاً واحداً لا تفاضل بينهم بنسب أو مال أو جاه دنيوي لفصل القضاء تبين لهم عند ذلك أن الله هو الحق المبين وأن ما يدعونه من دونه وتعلقت به قلوبهم من زينة الحياة واستقلال أنفسهم والأسباب المسخرة لهم ما كانت إلا أوهاماً لا تغني عنهم من الله شيئاً وقد أخطأوا إذ تعلقوا بها وأعرضوا عن سبيل ربهم ولم يجروا على ما أراده منهم بل كان ذلك منهم لأنهم توهموا أن لا موقف هناك يوقفون فيه فيحاسبون عليه.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد