الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱضْرِبْ لهُمْ مَّثَلاً رَّجُلَيْنِ جَعَلْنَا لأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعاً } * { كِلْتَا ٱلْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِم مِّنْهُ شَيْئاً وَفَجَّرْنَا خِلالَهُمَا نَهَراً } * { وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً } * { وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ قَالَ مَآ أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَـٰذِهِ أَبَداً } * { وَمَآ أَظُنُّ ٱلسَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَىٰ رَبِّي لأَجِدَنَّ خَيْراً مِّنْهَا مُنْقَلَباً } * { قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِٱلَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً } * { لَّٰكِنَّاْ هُوَ ٱللَّهُ رَبِّي وَلاَ أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً } * { وَلَوْلاۤ إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَآءَ ٱللَّهُ لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِٱللَّهِ إِن تَرَنِ أَنَاْ أَقَلَّ مِنكَ مَالاً وَوَلَداً } * { فعسَىٰ رَبِّي أَن يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِّن جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَاناً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً } * { أَوْ يُصْبِحَ مَآؤُهَا غَوْراً فَلَن تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَباً } * { وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَآ أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يٰلَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً } * { وَلَمْ تَكُن لَّهُ فِئَةٌ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَمَا كَانَ مُنْتَصِراً } * { هُنَالِكَ ٱلْوَلاَيَةُ لِلَّهِ ٱلْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَاباً وَخَيْرٌ عُقْباً } * { وَٱضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا كَمَآءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ ٱلسَّمَاءِ فَٱخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ ٱلأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ ٱلرِّياحُ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِراً } * { ٱلْمَالُ وَٱلْبَنُونَ زِينَةُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَٱلْبَاقِيَاتُ ٱلصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً }

بيان الآيات تتضمن مثلين يبينان حقيقة ما يملكه الإِنسان في حياته الدنيا من الأموال والأولاد وهي زخارف الحياة وزيناتها الغارة السريعة الزوال والفناء التي تتزين بها للإِنسان فتلهيه عن ذكر ربه وتجذب وهمه إلى أن يخلد إليها ويعتمد عليها فيخيل إليه أنه يملكها ويقدر عليها حتى إذا طاف عليها طائف من الله سبحانه فنت وبادت ولم يبق للإِنسان منها إلا كحلمة نائم وأُمنية كاذبة. فالآيات ترجع الكلام إلى توضيح ما أشار سبحانه إليه في قوله { إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها } إلى قوله { صعيداً جرزاً } من الحقيقة. قوله تعالى { واضرب لهم مثلاً رجلين جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب } الخ أي واضرب لهؤلاء المتولهين بزينة الحياة الدنيا المعرضين عن ذكر الله مثلاً ليتبين لهم أنهم لم يتعلقوا في ذلك إلا بسراب وهمي لا واقع له. وقد ذكر بعض المفسرين أن الذي يتضمنه المثل قصة مقدرة مفروضة فليس من الواجب أن يتحقق مضمون المثل خارجاً، وذكر آخرون أنه قصة واقعة، وقد رووا في ذلك قصصاً كثيرة مختلفة لا معول عليها غير أن التدبر في سياق القصة بما فيها من كونهما جنتين اثنتين وانحصار أشجارهما في الكرم والنخل ووقع الزرع بينهما وغير ذلك يؤيد كونها قصة واقعة. وقوله { جنتين من أعناب } أي من كروم فالثمرة كثيراً ما يطلق على شجرتها وقوله { وحففناهما بنخل } أي جعلنا النخل محيطة بهما حافة من حولهما وقوله { وجعلنا بينهما زرعاً } أي بين الجنتين ووسطهما، وبذلك تواصلت العمارة وتمت واجتمعت له الأقوات والفواكه. قوله تعالى { كلتا الجنتين آتت أُكلها } الآية الأكل بضمتين المأكول، والمراد بايتائهما الأكل إثمار أشجارهما من الأعناب والنخيل. وقوله { ولم تظلم منه شيئاً } الظلم النقص، والضمير للأكل أي ولم تنقص من أكله شيئاً بل أثمرت ما في وسعها من ذلك، وقوله { وفجرنا خلالهما نهراً } أي شققنا وسطهما نهراً من الماء يسقيهما ويرفع حاجتهما إلى الشرب بأقرب وسيله من غير كلفة. قوله تعالى { وكان له ثمر } الضمير للرجل والثمر أنواع المال كما في الصحاح وعن القاموس، وقيل الضمير للنخل والثمر ثمره، وقيل المراد كان للرجل ثمر ملكه من غير جنته. وأول الوجوه أوجهها ثم الثاني ويمكن أن يكون المراد من إيتاء الجنتين أكلها من غير ظلم بلوغ أشجارهما في الرشد مبلغ الإِثمار وأوانه، ومن قوله { وكان له ثمر } وجود الثمر على اشجارهما بالفعل كما في الصيف وهو وجه خال عن التكلف. قوله تعالى { فقال لصاحبه وهو يحاوره أنا أكثر منك مالاً وأعز نفراً } المحاورة المخاطبة والمراجعه في الكلام، والنفر الأشخاص يلازمون الإِنسان نوع ملازمة سموا نفراً لأنهم ينفرون معه ولذلك فسره بعضهم بالخدم والولد، وآخرون بالرهط والعشيرة، والأول أوفق بما سيحكيه الله تعالى من قول صاحبه له { إن ترن أنا أقل منك مالاً وولداً } حيث بدل النفر من الولد، والمعنى فقال الذي جعلنا له الجنتين لصاحبه والحال أنه يحاوره { أنا أكثر منك مالاً وأعز نفراً } أي ولداً وخدماً.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9