الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ قُل لَّوْ كَانَ ٱلْبَحْرُ مِدَاداً لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ ٱلْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً }

بيان الآية بيان مستقل لسعة كلمات الله تعالى وعدم قبولها النفاد، وليس من البعيد أن تكون نازلة وحدها لا في ضمن آيات السورة لكنها لو كانت نازلة في ضمن آياتها كانت مرتبطة بجميع ما بحثت عنه السورة. وذلك أن السورة أشارت في أولها إلى أن هناك حقائق إلهية وذكرت أولاً في تسلية النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن حزنه من إعراضهم عن الذكر أن عامتهم في رقدة عن التنبه لها وسيستيقظون عن نومتهم، وأورد في ذلك قصة أصحاب الكهف ثم ذكَّر بأُمور أورد في ذيلها قصة موسى والخضر حيث شاهد موسى عنه أعمالاً ذات تأويل لم يتنبه لتأويلها وأغفله ظاهرها عن باطنها حتى بينها له الخضر فسكن عند ذلك قلقه ثم أورد قصة ذي القرنين والسد الذي ضربه بأمر من الله في وجه المفسدين من يأجوج ومأجوج فحجزهم عن ورود ما وراءه والإِفساد فيه. فهذه - كما ترى - أُمور تحتها حقائق واسرار وبالحقيقة كلمات تكشف عن مقاصد إلهية وبيانات تنبئ عن خبايا يدعو الذكر الحكيم الناس إليها، والآية - والله أعلم - تنبئ أن هذه الأُمور وهي كلماته تعالى المنبئة عن مقاصده لا تنفد والآية في وقوعها بعد استيفاء السورة ما استوفتها من البيان بوجه مثل قول القائل وقد طال حديثه ليس لهذا الحديث منتهى فلنكتف بما أوردناه. قوله تعالى { قل لو كان البحر مداداً لكلمات ربي } إلى آخر الآية، الكلمة تطلق على الجملة كما تطلق على المفرد ومنه قوله تعالىقل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله } آل عمران 64 وقد استعملت كثيراً في القرآن الكريم فيما قاله الله وحكم به كقولهوتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا } الأعراف 137، وقولهكذلك حقت كلمة ربك على الذين فسقوا أنهم لا يؤمنون } يونس 33، وقولهولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم } هود 110 إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة جداً. ومن المعلوم أنه تعالى لا يتكلم بشق الفم وإنما قوله فعله وما يفيضه من وجود كما قالإنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون } النحل 40 وإنما تسمى كلمة لكونها آية دالة عليه تعالى ومن هنا سمى المسيح كلمة في قولهإنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته } النساء 171. ومن هنا يظهر أنه ما من عين يوجد أو واقعة تقع إلا وهي من حيث كونها آية دالة عليه كلمة منه إلا أنها خصت في عرف القرآن بما دلالته ظاهرة لا خفاء فيها ولا بطلان ولا تغير كما قال

السابقالتالي
2