الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي ٱلْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُواْ عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْراً } * { إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي ٱلأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً } * { فَأَتْبَعَ سَبَباً } * { حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ ٱلشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِندَهَا قَوْماً قُلْنَا يٰذَا ٱلْقَرْنَيْنِ إِمَّآ أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّآ أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً } * { قَالَ أَمَّا مَن ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَىٰ رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَاباً نُّكْراً } * { وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُ جَزَآءً ٱلْحُسْنَىٰ وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْراً } * { ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً } * { حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ ٱلشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَىٰ قَوْمٍ لَّمْ نَجْعَل لَّهُمْ مِّن دُونِهَا سِتْراً } * { كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْراً } * { ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً } * { حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِن دُونِهِمَا قَوْماً لاَّ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً } * { قَالُواْ يٰذَا ٱلْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي ٱلأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلَىٰ أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّاً } * { قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً } * { آتُونِي زُبَرَ ٱلْحَدِيدِ حَتَّىٰ إِذَا سَاوَىٰ بَيْنَ ٱلصَّدَفَيْنِ قَالَ ٱنفُخُواْ حَتَّىٰ إِذَا جَعَلَهُ نَاراً قَالَ آتُونِيۤ أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً } * { فَمَا ٱسْطَاعُوۤاْ أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا ٱسْتَطَاعُواْ لَهُ نَقْباً } * { قَالَ هَـٰذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّآءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقّاً } * { وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعاً } * { وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِّلْكَافِرِينَ عَرْضاً } * { ٱلَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَآءٍ عَن ذِكْرِي وَكَانُواْ لاَ يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً } * { أَفَحَسِبَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَن يَتَّخِذُواْ عِبَادِي مِن دُونِيۤ أَوْلِيَآءَ إِنَّآ أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلاً }

بيان الآيات تشتمل على قصة ذي القرنين، وفيها شيء من ملاحم القرآن قوله تعالى { ويسألونك عن ذي القرنين قل سأتلو عليكم منه ذكراً } أي يسألونك عن شأن ذي القرنين. والدليل على ذلك جوابه عن السؤال بذكر شأنه لا تعريف شخصه حتى اكتفى بلقبه فلم يتعد منه إلى ذكر اسمه. والذكر إما مصدر بمعنى المفعول والمعنى قل سأتلو عليكم منه أي من ذي القرنين شيئاً مذكوراً، وإما المراد بالذكر القرآن - وقد سماه الله في مواضع من كلامه بالذكر والمعنى قل سأتلو عليكم منه أي من ذي القرنين أو من الله قرآناً وهو ما يتلو هذه الآية من قوله { إنا مكنا له } إلى آخر القصة، والمعنى الثاني أظهر. قوله تعالى { إنا مكنا له في الأرض وآتيناه من كل شيء سبباً } التمكين الإِقدار يقال مكنته ومكنت له أي أقدرته فالتمكن في الأرض القدرة على التصرف فيه بالملك كيفما شاء وأراد. وربما يقال إنه مصدر مصوغ من المكان بتوهم أصالة الميم فالتمكين إعطاء الاستقرار والثبات بحيث لا يزيله عن مكانه أي مانع مزاحم. والسبب الوصلة والوسيلة فمعنى إيتائه سبباً من كل شيء أن يؤتى من كل شيء يتوصل به إلى المقاصد الهامة الحيوية ما يستعمله ويستفيد منه كالعقل والعلم والدين وقوة الجسم وكثرة المال والجند وسعة الملك وحسن التدبير وغير ذلك وهذا امتنان منه تعالى على ذي القرنين وإعظام لأمره بأبلغ بيان، وما حكاه تعالى من سيرته وفعله وقوله المملوءة حكمة وقدرة يشهد بذلك. قوله تعالى { فأتبع سبباً } الإِتباع اللحوق أي لحق سبباً واتخذ وصلة وسيلة يسير بها نحو مغرب الشمس. قوله تعالى { حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة ووجد عندها قوماً } تدل { حتى } على فعل مقدر وتقديره " فسار حتى إذا بلغ " والمراد بمغرب الشمس آخر المعمورة يومئذ من جانب الغرب بدليل قوله { ووجد عندها قوماً }. وذكروا أن المراد بالعين الحمئة العين ذات الحمأة وهي الطين الأسود، وأن المراد بالعين البحر فربما تطلق عليه، وأن المراد بوجدان الشمس تغرب في عين حمئة أنه وقف على ساحل بحر لا مطمع في وجود بر وراءه فرأى الشمس كأنها تغرب في البحر لمكان انطباق الأفق عليه قيل وينطبق هذه العين الحمئة على المحيط الغربي وفيه الجزائر الخالدات التي كانت مبدء الطول سابقاً ثم غرقت. وقرئ " في عين حامية " أي حارة، وينطبق على النقاط القريبة من خط الاستواء من المحيط الغربي المجاورة لإِفريقية ولعل ذا القرنين في رحلته الغربية بلغ سواحل إفريقية. قوله تعالى { قلنا يا ذا القرنين إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسناً } القول المنسوب إليه تعالى في القرآن يستعمل في الوحي النبوي وفي الإِبلاغ بواسطة الوحي كقوله تعالى

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد