الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ وَآتَيْنَآ مُوسَى ٱلْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلاَّ تَتَّخِذُواْ مِن دُونِي وَكِيلاً } * { ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً } * { وَقَضَيْنَآ إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي ٱلْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي ٱلأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً } * { فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَّنَآ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ خِلاَلَ ٱلدِّيَارِ وَكَانَ وَعْداً مَّفْعُولاً } * { ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ ٱلْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً } * { إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ ٱلآخِرَةِ لِيَسُوءُواْ وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُواْ ٱلْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْاْ تَتْبِيراً } * { عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيراً }

بيان الظاهر من سياق آيات صدر السورة أنها مسوقة لبيان أن السنة الإِلهية في الأمم الإِنسانية جرت على هدايتهم إلى طريق العبودية وسبيل التوحيد وأمكنهم من الوصول إلى ذلك باختيارهم فآتاهم من نعم الدنيا والآخرة، وأمدهم بأسباب الطاعة والمعصية فإن أطاعوا وأحسنوا أثابهم بسعادة الدنيا والآخرة، وإن أساؤا وعصوا جازاهم بنكال الدنيا وعذاب الآخرة. وعلى هذا فهذه الآيات السبع كالمثال يمثل به ما جرى من هذه السنة العامة في بني إسرائيل أنزل الله على نبيهم الكتاب وجعله لهم هدى يهتدون به وقضى إليهم فيه أنهم سيعلون ويطغون ويفسقون فينتقم الله منهم باستيلاء عدوهم عليهم بالإِذلال والقتل والأسر ثم يعودون إلى الطاعة فيعود تعالى إلى النعمة والرحمة ثم يستعلون ويطغون ثانياً فينتقم الله منهم ثانياً بأشد مما في المرة الأولى ثم من المرجو أن يرحمهم ربهم وأن يعودوا يعد. ومن ذلك يستنتج أن الآيات السبع كالتوطئة لما سيذكر بعدها من جريان هذه السنة العامة في هذه الأُمة، والآيات السبع كالمعترضة بين الآية الأولى والتاسعة. قوله تعالى { وآتينا موسى الكتاب وجعلناه هدى لبني إسرائيل ألاّ تتخذوا من دوني وكيلاً } الكتاب كثيراً ما يطلق في كلامه تعالى على مجموع الشرائع المكتوبة على الناس القاضية بينهم فيما اختلفوا فيه من الاعتقاد والعمل ففيه دلالة على اشتماله على الوظائف الاعتقادية والعملية التي عليهم أن يأخذوها ويتلبسوا بها، ولعله لذلك قيل { وآتينا موسى الكتاب } ولم يقل التوراة ليدل به على اشتماله على شرائع مفترضة عليهم. وبذلك يظهر أن قوله { وجعلناه هدى لبني إسرائيل } بمنزلة التفسير لإِيتائه الكتاب. وكونه هدى أي هادياً لهم هو بيانه لهم شرائع ربهم التي لو أخذوها وعملوا بها لاهتدوا إلى الحق ونالوا سعادة الدارين. وقوله { ألا تتخذوا من دوني وكيلاً } ان فيه للتفسير ومدخولها محصل ما يشتمل عليه الكتاب الذي جعل هدى لهم فيؤول المعنى إلى أن محصل ما كان الكتاب يبينه لهم ويهديهم إليه هو نهيه إياهم أن يشركوا بالله شيئاً ويتخذوا من دونه وكيلاً فقوله { لا تتخذوا من دوني وكيلاً } تفسيراً لقوله { وجعلناه هدى لبني إسرائيل } أن كان ضمير { لا تتخذوا } عائداً إليهم كما هو الظاهر، وتفسير لجميع ما تقدمه إن احتمل رجوعه إلى موسى وبني إسرائيل جميعاً. وفي الجملة التفات من التكلم مع الغير إلى التكلم وحده ووجهه بيان كون التكلم مع الغير لغرض التعظيم وجريان السياق على ما كان عليه من التكلم مع الغير كأن يقال " أن لا تتخذوا من دوننا وكلاء " لا يناسب معنى التوحيد الذي سيقت له الجملة، ولذلك عدل فيها إلى سياق التكلم وحده ثم لما ارتفعت الحاجة رجع الكلام إلى سياقه السابق فقيل { ذرية من حملنا مع نوح }.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8