الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ رَّبُّكُمُ ٱلَّذِي يُزْجِي لَكُمُ ٱلْفُلْكَ فِي ٱلْبَحْرِ لِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً } * { وَإِذَا مَسَّكُمُ ٱلْضُّرُّ فِي ٱلْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى ٱلْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ ٱلإِنْسَانُ كَفُوراً } * { أَفَأَمِنْتُمْ أَن يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ ٱلْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً ثُمَّ لاَ تَجِدُواْ لَكُمْ وَكِيلاً } * { أَمْ أَمِنْتُمْ أَن يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَىٰ فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفاً مِّنَ ٱلرِّيحِ فَيُغْرِقَكُم بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمَّ لاَ تَجِدُواْ لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعاً } * { وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي ءَادَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً } * { يَوْمَ نَدْعُواْ كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُوْلَـٰئِكَ يَقْرَؤونَ كِتَابَهُمْ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً } * { وَمَن كَانَ فِي هَـٰذِهِ أَعْمَىٰ فَهُوَ فِي ٱلآخِرَةِ أَعْمَىٰ وَأَضَلُّ سَبِيلاً }

بيان الآيات كالمكملة للآيات السابقة تثبت لله سبحانه من استجابة الدعوة وكشف الضر ما نفاه القبيل السابق عن أصنامهم وأوثانهم فإن الآيات السابقة تبتدي بقوله تعالى { قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلاً } وهذه الآيات تفتتح بقوله { ربكم الذي يزجي لكم الفلك في البحر } الخ. وإنما قلنا هي كالمكملة لبيان الآيات السابقة مع أن ما تحتويه كل من القبيلين حجة تامة في مدلولها تبطل إحداهما ألوهية آلهتهم وتثبت الأخرى أُلوهية الله سبحانه لافتتاح القبيل الأول بقوله { قل } دون الثاني وظاهره كون مجموع القبيلين واحداً من الاحتجاج أُمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بإلقائه إلى المشركين لإِلزامهم بالتوحيد. ويؤيده السياق السابق المبدو بقوله { قل لو كان معه آلهة كما يقولون إذاً لابتغوا إلى ذي العرش سبيلاً } وقد لحقه قوله ثانياً { وقالوا أإذا متنا } إلى أن قال { قل كونوا حجارة أو حديداً }. وقد ختم الآيات بقوله { يوم ندعوا كل أناس بإمامهم } الخ فأشار به إلى أن هذا الذي يذكر من الهدى والضلالة في الدنيا يلازم الإِنسان في الآخرة فالنشأة الأخرى على طبق النشأه الأولى فمن أبصر في الدنيا أبصر في الآخرة، ومن كان في هذه أعمى فهو من الآخرة أعمى وأضل سبيلاً. قوله تعالى { ربكم الذي يزجي لكم الفلك في البحر لتبتغوا من فضله إنه كان بكم رحيماً } الازجاء على ما في مجمع البيان سوق الشيء حالاً بعد حال فالمراد به إجراء السفن في البحر بإرسال الرياح ونحوه وجعل الماء رطباً مائعاً يقبل الجري والخرق، والفلك جمع الفلكة وهي السفينة. وابتغاء الفضل طلب الرزق فإن الجواد إنما يجود غالباً بما زاد على مقدار حاجة نفسه وفضل الشيء ما زاد وبقي منه ومن ابتدائية، وربما قيل إنها للتبعيض وذيل الآية تعليل للحكم بالرحمة، والمعنى ظاهر. والآية تمهيد لتاليها. قوله تعالى { وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه } إلى آخر الآية الضر الشدة، ومس الضر في البحر هو خوف الغرق بالإِشراف عليه بعصف الرياح وتقاذف الأمواج ونحو ذلك. وقوله { ضل من تدعون إلا إياه } المراد بالضلال - على ما ذكروا - الذهاب عن الخواطر دون الخروج عن الطريق وقيل هو بمعنى الضياع من قولهم ضل عن فلان كذا أي ضاع عنه ويعود على أي حال إلى معنى النسيان. والمراد بالدعاء دعاء المسألة دون دعاء العبادة فيعم قوله { من تدعون الإِله الحق والآلهة الباطلة التي يدعوها المشركون، والاستثناء متصل، والمعنى وإذا اشتد عليكم الأمر في البحر بالإِشراف على الغرق نسيتم كل إله تدعونه وتسألونه حوائجكم إلا الله. وقيل المراد دعاء العبادة دون المسألة فيختص بمن يعبدونه من دون الله والاستثناء منقطع، والمعنى إذا مسكم الضر في البحر ذهب عن خواطركم الآلهة الذين تعبدونهم لكن الله سبحانه لا يغيب عنكم ولا ينسى.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد