الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً } * { وأَنَّ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً } * { وَيَدْعُ ٱلإِنْسَانُ بِٱلشَّرِّ دُعَآءَهُ بِٱلْخَيْرِ وَكَانَ ٱلإِنْسَانُ عَجُولاً } * { وَجَعَلْنَا ٱلَّيلَ وَٱلنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَآ آيَةَ ٱلَّيلِ وَجَعَلْنَآ آيَةَ ٱلنَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُواْ عَدَدَ ٱلسِّنِينَ وَٱلْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً } * { وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً } * { ٱقْرَأْ كِتَٰبَكَ كَفَىٰ بِنَفْسِكَ ٱلْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً } * { مَّنِ ٱهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولاً } * { وَإِذَآ أَرَدْنَآ أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا ٱلْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً } * { وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ ٱلْقُرُونِ مِن بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرَاً بَصِيراً } * { مَّن كَانَ يُرِيدُ ٱلْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَآءُ لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَّدْحُوراً } * { وَمَنْ أَرَادَ ٱلآخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُوراً } * { كُلاًّ نُّمِدُّ هَـٰؤُلاۤءِ وَهَـٰؤُلاۤءِ مِنْ عَطَآءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَآءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً } * { ٱنظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً } * { لاَّ تَجْعَل مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَّخْذُولاً }

بيان كان القبيل السابق من الآيات يذكر كيفية جريان السنة الإِلهية في هداية الإِنسان إلى سبيل الحق ودين التوحيد ثم إسعاد من استجاب الدعوة الحقة في الدنيا والآخرة وعقاب من كفر بالحق وفسق عن الأمر في دنياه وعقباه، وكان ذكر نزول التوراة وما جرى بعد ذلك على بني إسرائيل كالمثال الذي يورد في الكلام لتطبيق الحكم الكلي على أفراده ومصاديقه، وهذا القبيل من الآيات يذكر جريان السنة المذكورة في هذه الأُمة كما جرت في أُمة موسى، وقد استنتج من الآيات لزوم التجنب عن الشرك ووجوب التزام طريق التوحيد حيث قيل { لا تجعل مع الله إلهاً آخر فتقعد مذموماً مخذولاً }. قوله تعالى { إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم } أي للملة التي هي أقوم كما قال تعالىقل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم ديناً قيماً ملة إبراهيم حنيفاً } الأنعام 161. والأقوم أفعل تفضيل والأصل في الباب القيام ضد القعود الذي هو أحد أحوال الإِنسان وأوضاعه، وهو أعدل حالاته يتسلط به على ما يريده من العمل بخلاف القعود والاستلقاء والانبطاح ونحوها ثم كنى به عن حسن تصديه للأمور إذا قوي عليها من غير عجز وعي وأحسن إدارتها للغاية يقال قام بأمر كذا إذا تولاه وقام على أمر كذا أي راقبه وحفظه وراعى حاله بما يناسبه. وقد وصف الله سبحانه هذه الملة الحنيفية بالقيام كما قالفأقم وجهك للدين حنيفاً فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم } الروم 30، وقالفأقم وجهك للدين القيم } الروم 43. وذلك لكون هذا الدين مهيمناً على ما فيه خير دنياهم وآخرتهم قيماً على إصلاح حالهم في معاشهم ومعادهم، وليس إلا لكونه موافقاً لما تقتضيه الفطرة الإِنسانية والخلقه التي سواه الله سبحانه عليها وجهزه بحسبها بما يهديه إلى غايتة التي أريدت له، وسعادته التي هيئت لأجله. وعلى هذا فوصف هذه الملة في قوله { للتي هي أقوم } بأنها أقوم إن كان بقياسها إلى سائر الملل إنما هو من جهة أن كلاً من تلك الملل سنة حيوية اتخذها ناس لينتفعوا بها في شيء من أمور حياتهم لكنها إن كانت تنفعهم في بعضها فهي تضرهم في بعض آخر وان كانت تحرز لهم شطراً مما فيه هواهم فهي تفوت عليهم شطراً عظيماً مما فيه خيرهم وإنما ذلك الإِسلام يقوم على حياتهم وبجميع ما يهمهم في الدنيا والآخرة من غير أن يفوته فائت فالملة الحنيفية أقوم من غيرها على حياة الإِنسان. وإن كان بالقياس إلى سائر الشرائع الإِلهية السابقة كشريعة نوح وموسى وعيسى عليهم السلام كما هو ظاهر جعلها مما يهدي إليها القرآن قبال ما تقدم من ذكر التوراة وجعلها هدى لبني إسرائيل فإنما هو من جهة أن هذه الملة الحنيفية أكمل من الملل السابقة التي تتضمنها كتب الأنبياء السابقين فهي تشتمل من المعارف الإِلهية على آخر ما تتحمله البنية الإِنسانية ومن الشرائع على ما لا يشذ منه شاذ من أعمال الإِنسان الفردية والاجتماعية، وقد قال تعالى

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد