الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ وَٱلإحْسَانِ وَإِيتَآءِ ذِي ٱلْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَاءِ وَٱلْمُنْكَرِ وَٱلْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } * { وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ ٱللَّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ ٱلأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ ٱللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ } * { وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَىٰ مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ ٱللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ } * { وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلـٰكِن يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } * { وَلاَ تَتَّخِذُوۤاْ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُواْ ٱلْسُّوۤءَ بِمَا صَدَدتُّمْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } * { وَلاَ تَشْتَرُواْ بِعَهْدِ ٱللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً إِنَّمَا عِنْدَ ٱللَّهِ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ } * { مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ ٱللَّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ ٱلَّذِينَ صَبَرُوۤاْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { فَإِذَا قَرَأْتَ ٱلْقُرْآنَ فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ مِنَ ٱلشَّيْطَانِ ٱلرَّجِيمِ } * { إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَىٰ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } * { إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَىٰ ٱلَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَٱلَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ } * { وَإِذَا بَدَّلْنَآ آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوۤاْ إِنَّمَآ أَنتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } * { قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ ٱلْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِٱلْحَقِّ لِيُثَبِّتَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَهُدًى وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ } * { وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ ٱلَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَـٰذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ لاَ يَهْدِيهِمُ ٱللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { إِنَّمَا يَفْتَرِي ٱلْكَذِبَ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَأُوْلـٰئِكَ هُمُ ٱلْكَاذِبُونَ }

بيان تذكر الآيات عدة من الأحكام مما يلائم حال الإِسلام قبل الهجرة مما يصلح به حال المجتمع العام كالأمر بالعدل والإِحسان والنهي عن الفحشاء والمنكر والبغي وما يلحق بذلك كالأمر بإيتاء ذي القربى والنهي عن نقض العهد واليمين، وتذكر أُموراً أُخرى تناسب ذلك وتثبتها. قوله تعالى { إن الله يأمر بالعدل والإِحسان وإيتاء ذي القربى } ابتدأ سبحانه بهذه الأحكام الثلاثة التي هي بالترتيب أهم ما يقوم به صلب المجتمع الإِنساني لما أن صلاح المجتمع العام أهم ما يبتغيه الإِسلام في تعاليمه المصلحة فإن أهم الأشياء عند الإِنسان في نظر الطبيعة وإن كان هو نفسه الفردية، لكن سعادة الشخص مبنية على صلاح الظرف الاجتماعي الذي يعيش هو فيه، وما أصعب أن يفلح فرد في مجتمع فاسد أحاط به الشقاء من كل جانب. ولذلك اهتم في إصلاح المجتمع اهتماماً لا يعادله فيه غيره وبذل الجهد البالغ في جعل الدساتير والتعاليم الدينية حتى العبادات من الصلاة والحج والصوم اجتماعية ما أمكن فيها ذلك، كل ذلك ليستصلح الإِنسان في نفسه ومن جهة ظرف حياته. فقوله { إن الله يأمر بالعدل } أمر بالعدل ويقابله الظلم، قال في المفردات العدالة والمعادلة لفظ يقتضي معنى المساواة، ويستعمل باعتبار المضايفة، والعدل - بفتح العين - والعدل - بكسرها - يتقاربان لكن العدل - بفتح العين - يستعمل فيما يدرك بالبصيرة كالأحكام، وعلى ذلك قوله تعالى { أو عدل ذلك صياماً } والعدل - بكسر العين - والعديل فيما يدرك بالحاسة كالموزونات والمعدودات والمكيلات، فالعدل هو التقسيط على سواء. قال والعدل ضربان مطلق يقتضي العقل حسنه، ولا يكون في شيء من الأزمنة منسوخاً ولا يوصف بالاعتداء بوجه نحو الإِحسان إلى من أحسن إليك وكفّ الأذى عمن كفَّ أذاه عنك، وعدل يعرف كونه عدلاً بالشرع ويمكن أن يكون منسوخاً في بعض الأزمنة كالقصاص وأروش الجنايات وأصل مال المرتدّ، ولذلك قال { فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه } ، وقال { وجزاء سّيئة سيّئة مثلها } فسمّي اعتداء وسيّئة. وهذا النحو هو المعني بقوله { إن الله يأمر بالعدل والإِحسان } فإن العدل هو المساواة في المكافاة إن خيراً فخير وإن شراً فشر، والإِحسان أن يقابل الخير بأكثر منه والشر بأقل منه، انتهى موضع الحاجة. وما ذكره على ما فيه من التفصيل يرجع إلى قولهم إن العدل هو لزوم الوسط والاجتناب عن جانبي الإِفراط والتفريط في الأُمور وهو من قبيل التفسير بلازم المعنى فإن حقيقة العدل هي إقامة المساواة والموازنة بين الأُمور بأن يعطى كل من السهم ما ينبغي أن يعطاه فيتساوى في أن كلاً منها واقع موضعه الذي يستحقه، فالعدل في الاعتقاد أن يؤمن بما هو الحق، والعدل في فعل الإِنسان في نفسه أن يفعل ما فيه سعادته ويتحرّز مما فيه شقاؤه باتّباع هوى النفس، والعدل في الناس وبينهم أن يوضع كلٌّ موضعه الذي يستحقه في العقل أو في الشرع أو في العرف فيثاب المحسن بإحسانه، ويعاقب المسيء على إساءته، وينتصف للمظلوم من الظالم ولا يبعّض في إقامة القانون ولا يستثني.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد