الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ ٱلْسَّمَآءِ مَآءً فَأَحْيَا بِهِ ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَآ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ } * { وَإِنَّ لَكُمْ فِي ٱلأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُمْ مِّمَّا فِي بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَناً خَالِصاً سَآئِغاً لِلشَّارِبِينَ } * { وَمِن ثَمَرَاتِ ٱلنَّخِيلِ وَٱلأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } * { وَأَوْحَىٰ رَبُّكَ إِلَىٰ ٱلنَّحْلِ أَنِ ٱتَّخِذِي مِنَ ٱلْجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنَ ٱلشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ } * { ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ فَٱسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَآءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } * { وَٱللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَىٰ أَرْذَلِ ٱلْعُمُرِ لِكَيْ لاَ يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ } * { وَٱللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ فِي ٱلْرِّزْقِ فَمَا ٱلَّذِينَ فُضِّلُواْ بِرَآدِّي رِزْقِهِمْ عَلَىٰ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَآءٌ أَفَبِنِعْمَةِ ٱللَّهِ يَجْحَدُونَ } * { وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِّنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ أَفَبِٱلْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ ٱللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ } * { وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِّنَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ شَيْئاً وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ } * { فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلَّهِ ٱلأَمْثَالَ إِنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } * { ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً عَبْداً مَّمْلُوكاً لاَّ يَقْدِرُ عَلَىٰ شَيْءٍ وَمَن رَّزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرّاً وَجَهْراً هَلْ يَسْتَوُونَ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } * { وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَآ أَبْكَمُ لاَ يَقْدِرُ عَلَىٰ شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَىٰ مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّههُّ لاَ يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَن يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ وَهُوَ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } * { وَلِلَّهِ غَيْبُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَآ أَمْرُ ٱلسَّاعَةِ إِلاَّ كَلَمْحِ ٱلْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }

بيان رجوع بعد رجوع إلى عدّ النعم والآلاء الإِلهية واستنتاج التوحيد والبعث منها والإِشارة إلى مسألة التشريع وهي النبوَّة. قوله تعالى { والله أنزل من السماء ماءً فأحيا به الأرض بعد موتها } الخ، يريد إنبات الأرض بعد ما انقطعت عنه بحلول الشتاء بماء السماء الذي هو المطر فتأخذ أُصول النباتات وبذورها في النمو بعد سكونها، وهي حياة من سنخ الحياة الحيوانية وإن كانت أضعف منها، وقد اتضح بالأبحاث الحديثة أن للنبات من جراثيم الحياة ما للحيوان وإن اختلفتا صورة وأثراً. وقوله { إن في ذلك لآية لقوم يسمعون } المراد بالسمع قبول ما من شأنه أن يقبل من القول فإن العاقل الطالب للحق إذا سمع ما يتوقع فيه الحق أصغى واستمع إليه ليعيه ويحفظه، قال تعالىالذين يستمعون القول فيتّبعون أحسنه أُولئك الذين هداهم الله وأُولئك هم أُولوا الألباب } الزمر 18. فإذا ذكّر من فيه قريحة قبول الحق حديث إنزال الله المطر وإحيائه الأرض بعد موتها كان له في ذلك آية للبعث وأن الذي أحياها لمحيي الموتى. قوله تعالى { وإن لكم في الأنعام لعبرة } الخ، الفرث هو الثفل الذي ينزل إلى الكرش والأمعاء فإذا دفع فهو سرجين وليس فرثاً، والسائغ اسم فاعل من السوغ يقال ساغ الطعام والشراب إذا جرى في الحلق بسهولة. وقوله { وإن لكم في الأنعام لعبرة } أي لكم في الإِبل والبقر والغنم لأمراً أمكنكم أن تعتبروا به وتتّعظوا ثم بيّن ذلك الأمر بقوله { نسقيكم مما في بطونه } الخ، أي بطون ما ذكر من الأنعام أخذ الكثير شيئاً واحداً. وقوله { من بين فرث ودم } الفرث في الكرش وألبان الأنعام مكانها مؤخر البطن بين الرجلين، والدم مجراها الشرايين والأوردة وهي محيطة بهما جميعاً فأخذ اللبن شيئاً هو بين الفرث والدم كأنه باعتبار مجاورته لكل منهما واجتماع الجميع في داخل الحيوان وهذا كما يقال اخترت زيداً من بين القوم ودعوته وأخرجته من بينهم إذا اجتمع معهم في مكان واحد وجاورهم فيه وإن كان جالساً في حاشية القوم لا وسطهم، والمراد بذلك أني ميّزته من بينهم وقد كان غير متميز. والمعنى نسقيكم مما في بطونه لبناً خارجاً من بين فرث ودم خالصاً غير مختلط ولا مشوب بهما ولا مستصحب لشيء من طعمهما ورائحتهما سائغاً للشاربين فذلك عبرة لمن اعتبر وذريعة إلى العلم بكمال القدرة ونفوذ الإِرادة وأن الذي خلّص اللبن من بين فرث ودم لقادر على أن يبعث الإِنسان ويحييه بعد ما صار عظاماً رميماً وضلّت في الأرض أجزاؤه. قوله تعالى { ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكراً ورزقاً حسناً } إلى آخر الآية، قال في المفردات السكر - بضم السين - حالة تعرض بين المرء وعقله - إلى أن قال - والسكر - بفتحتين - ما يكون منه السكر، قال تعالى { تتخذون منه سكراً ورزقاً حسناً } انتهى.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد