الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ إِلٰهُكُمْ إِلٰهٌ وَاحِدٌ فَٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ قُلُوبُهُم مُّنكِرَةٌ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ } * { لاَ جَرَمَ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُسْتَكْبِرِينَ } * { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَّاذَآ أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ } * { لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ ٱلَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلاَ سَآءَ مَا يَزِرُونَ } * { قَدْ مَكَرَ ٱلَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى ٱللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِّنَ ٱلْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ ٱلسَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ ٱلْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ } * { ثُمَّ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَآئِيَ ٱلَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ قَالَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ إِنَّ ٱلْخِزْيَ ٱلْيَوْمَ وَٱلْسُّوۤءَ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ } * { ٱلَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ ٱلْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُاْ ٱلسَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سُوۤءٍ بَلَىٰ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } * { فَٱدْخُلُوۤاْ أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى ٱلْمُتَكَبِّرِينَ } * { وَقِيلَ لِلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ خَيْراً لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هٰذِهِ ٱلْدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ ٱلآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ ٱلْمُتَّقِينَ } * { جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَآؤونَ كَذَلِكَ يَجْزِي ٱللَّهُ ٱلْمُتَّقِينَ } * { ٱلَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ٱدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } * { هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيَهُمُ ٱلْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ كَذَلِكَ فَعَلَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَمَا ظَلَمَهُمُ ٱللَّهُ وَلـٰكِن كَانُواْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } * { فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُواْ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } * { وَقَالَ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ نَّحْنُ وَلاۤ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ كَذٰلِكَ فَعَلَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى ٱلرُّسُلِ إِلاَّ ٱلْبَلاغُ ٱلْمُبِينُ } * { وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ وَٱجْتَنِبُواْ ٱلْطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى ٱللَّهُ وَمِنْهُمْ مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ ٱلضَّلالَةُ فَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَٱنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُكَذِّبِينَ } * { إِن تَحْرِصْ عَلَىٰ هُدَاهُمْ فَإِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي مَن يُضِلُّ وَمَا لَهُمْ مِّن نَّاصِرِينَ } * { وَأَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لاَ يَبْعَثُ ٱللَّهُ مَن يَمُوتُ بَلَىٰ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً وَلـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلْنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } * { لِيُبَيِّنَ لَهُمُ ٱلَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَاذِبِينَ } * { إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَآ أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ }

بيان هذا هو الشطر الثاني من آيات صدر السورة، وقد كان الشطر الأول يتضمن توحيد الربوبيّة وإقامة الحجة على المشركين في ذلك بعد ما أنذرهم بإتيان الأمر ونزّه الله سبحانه عن شركهم. وهذا الشطر الثاني يتضمن ما يناسب المقام ذكره من مساوي صفات المشركين المتفرّعة على إنكارهم التوحيد وأباطيل أقوالهم كاستكبارهم على الله واستهزائهم بآياته وإنكارهم الحشر، وبيان بطلانها وإظهار فسادها، وتهديدهم بإتيان الأمر وحلول العذاب الدنيويّ، والإِيعاد بعذاب يوم الموت ويوم القيامة وحقائق أُخر ستنكشف بالبحث. قوله تعالى { إلهكم إله واحد فالذين لا يؤمنون بالآخرة قلوبهم منكرة وهم مستكبرون } قد تقدم الكلام في قوله { إلهكم إله واحد } وأنه نتيجة الحجّة التي أُقيمت في الآيات السابقة. وقوله { فالذين لا يؤمنون بالآخرة } الخ، تفريع عليه، وافتتاح لفصل جديد من الكلام حول أعمال الكفّار من أقوالهم وأعمالهم الناشئة عن عدم إيمانهم بالله سبحانه وإنما ذكر عدم إيمانهم بالآخرة ولم يذكر عدم إيمانهم بالله وحده لأن الذي أُقيمت عليه الحجة هو التوحيد الكامل وهو وجوب الإِعتقاد بإله عليم قدير خلق كل شيء وأتمَّ النعمة لا لغوا باطلاً بل بالحق ليرجعوا إليه فيحاسبهم على ما عملوا ويجازيهم بما اكتسبوا مما عهده إليهم من الأمر والنهي بواسطة الرسل. فالتوحيد المندوب إليه في الآيات الماضية هو القول بوحدانيّته تعالى والإِيمان بما أتى به رسل الله والإِيمان بيوم الحساب والجزاء، ولذلك وصف الكفار بعدم الإِيمان بالآخرة لأن الإِيمان بها يستلزم الإِيمان بالوحدانيّة والرسالة. ولك أن تراجع في استيضاح ما ذكرناه قوله في أول الآيات { ينزّل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا فاتقون خلق السماوات والأرض بالحق سبحانه عما يشركون } فإنه كلام جامع للأصول الثلاثة. وقوله { قلوبهم منكرة } أي للحق وقوله { وهم مستكبرون } أي عن الحق، والاستكبار - على ما ذكروه - طلب الترفع بترك الإِذعان للحق. والمعنى إلهكم واحد على ما تدل عليه الآيات الواضحة في دلالتها، وإذا كان الأمر على هذا الوضوح والجلاء لا يستتر بستر ولا يرتاب فيه فهم فالذين لا يؤمنون بالآخرة قلوبهم منكرة للحق جاحدة له عناداً وهم مستكبرون عن الانقياد للحق من غير حجة ولا برهان. قوله تعالى { لا جرم أن الله يعلم ما يسرّون وما يعلنون إنه لا يحب المستكبرين } { لا جرم } كلمة مركبة باقية على حالة واحدة يفيد معنى التحقيق على ما ذكره الخليل وسيبويه وإليه يرجع ما ذكره غيرهما وإن اختلفوا في أصل تركبه قال الخليل وهو كلمة تحقيق ولا يكون إلا جواباً يقال فعلوا كذا فيقول السامع لا جرم يندمون. والمعنى من المحقق - أو حق - أن الله يعلم ما يسرّون وما يعلنون، وهو كناية وتهديد بالجزاء السيئ أي إنه يعلم ما يخفونه من أعمالهم وما يظهرونه فسيجزيهم بما عملوا ويؤاخذهم على ما أنكروا واستكبروا إنه لا يحب المستكبرين.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد