الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ ٱللَّهِ فَأَذَاقَهَا ٱللَّهُ لِبَاسَ ٱلْجُوعِ وَٱلْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ } * { وَلَقَدْ جَآءَهُمْ رَسُولٌ مِّنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ ٱلْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ } * { فَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ حَلَـٰلاً طَيِّباً وَٱشْكُرُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ إِن كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ } * { إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةَ وَٱلْدَّمَ وَلَحْمَ ٱلْخَنْزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ ٱللَّهِ بِهِ فَمَنِ ٱضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ ٱلْكَذِبَ هَـٰذَا حَلاَلٌ وَهَـٰذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ } * { مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { وَعَلَىٰ ٱلَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَـٰكِن كَانُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } * { ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُواْ ٱلسُّوۤءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوۤاْ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } * { شَاكِراً لأَنْعُمِهِ ٱجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } * { وَآتَيْنَاهُ فِي ٱلْدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي ٱلآخِرَةِ لَمِنَ ٱلصَّالِحِينَ } * { ثُمَّ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ أَنِ ٱتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } * { إِنَّمَا جُعِلَ ٱلسَّبْتُ عَلَىٰ ٱلَّذِينَ ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } * { ٱدْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِٱلْحِكْمَةِ وَٱلْمَوْعِظَةِ ٱلْحَسَنَةِ وَجَٰدِلْهُم بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِينَ } * { وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ } * { وَٱصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِٱللَّهِ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ } * { إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ وَّٱلَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ }

بيان تتمة آيات الأحكام السابقة تذكر فيها محرّمات الأكل ومحللاته ونهي عن التحليل والتحريم ابتداعاً بغير إذن الله وذكر بعض ما شرّع لليهود من الأحكام التي نسخت بعد، وفي ذلك عطف على ما تقدَّم من حديث النسخ في قوله { وإذا بدَّلنا آية مكان آية } وإشارة إلى أن ما أُنزل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنما هو دين إبراهيم عليه السلام المبني على الاعتدال والتوحيد مرفوعاً عنه ما في دين اليهود من التشديد عليهم قبال ظلمهم. وفي آخرها أمر بالعدل في المعاقبة وندب إلى الصبر والاحتساب، ووعد جميل بالنصرة والكفاية إن اتقوا وأحسنوا. قوله تعالى { وضرب الله مثلاً قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً } إلى آخر الآية، الرغد من العيش هو الواسع الطيّب. هذا مثل ضربه الله تعالى فوصف فيه قرية آتاها ما تحتاج إليه من نعم الحياة، وأتمّ ذلك كله بنبي بعثه إليهم يدعوهم إلى ما فيه صلاح دنياهم وأُخراهم فكفروا بأنعمه وكذّبوا رسوله فبدَّل الله نعمته نقمة وعذّبهم بما ظلموا بتكذيب رسوله، وفي المثل تحذير عن كفران نعمة الله بعد إذ بذلت والكفر بآياته بعد إذ أنزل. وفيه توطئة وتمهيد لما سيذكره من محللات الأكل ومحرّماته وينهى عن تشريع الحلال والحرام بغير إذن الله كل ذلك بالاستفادة من سياق الآيات فإن كل سابقة منها تسوق النظر إلى اللاحقة. وقيل إن هذه القرية هي مكة عذبهم الله بالجوع سبع سنين لما كفروا بأنعم الله وقد وسّعها عليهم وكذبوا رسوله وقد أرسله إليهم فابتلوا بالقحط وكان يغار عليهم قوافلهم بسخط من الله سبحانه لما دعا عليهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ذكره في المجمع ونسبه إلى ابن عباس ومجاهد وقتادة. وفيه أن لا إشكال في أنه في نفسه يقبل الانطباق على ما ذكر لكن سياق الآيات إنما يلائم كونه مثلاً عاماً مذكوراً توطئة وتمهيداً لما بيّناه. فقوله { وضرب الله مثلاً قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً } وصف القرية بثلاثة أوصاف متعاقبة غير أن الأوسط منها وهي الاطمئنان كالرابط بين الطرفين فإن القرية إذا أمنت المخاطرات كمهاجمة الأشرار وشنّ الغارات وقتل النفوس وسبي الذراري ونهب الأموال وكذا أمنت الحوادث الطبيعية كالزلازل وغيرها اطمأنت وسكنت فلم يضطرّ أهلها إلى الجلاء والتفرُّق. ومن كمال اطمئنانها أن يأتيها رزقها رغداً من كل مكان ولا يلجأ أهلها إلى الاغتراب وقطع الفيافي وركوب البحار وتحمّل المشاق البالغة في طلب الرزق وجلبه إليها. فاتصاف القرية بصفاتها الثلاث المذكورة الأمن والاطمئنان وإتيان رزقها إليها من كل مكان يتمّ ويكمل لها جميع النعم المادية الصورية، وسيضيف سبحانه إليها النعم المعنوية في الآية التالية { ولقد جاءهم رسول منهم } فهي قرية أتمّ اللة نعمة عليها وأكملها.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد