الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ مَن كَفَرَ بِٱللَّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِٱلإِيمَانِ وَلَـٰكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } * { ذٰلِكَ بِأَنَّهُمُ ٱسْتَحَبُّواْ ٱلْحَيَاةَ ٱلْدُّنْيَا عَلَىٰ ٱلآخِرَةِ وَأَنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْكَافِرِينَ } * { أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ طَبَعَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْغَافِلُونَ } * { لاَ جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ هُمُ ٱلْخَاسِرونَ } * { ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُواْ مِن بَعْدِ مَا فُتِنُواْ ثُمَّ جَاهَدُواْ وَصَبَرُواْ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا وَتُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ }

بيان في الآيات وعيد على الكفر بعد الإِيمان وهو الارتداد ووعد جميل للمهاجرين من بعد ما فتنوا المجاهدين الصابرين في الله، وفيها تعرّض لحكم التقيّة. قوله تعالى { من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أُكره } الاطمئنان السكون والاستقرار، والشرح البسط، قال في المفردات أصل الشرح بسط اللحم ونحوه، يقال شرحت اللحم وشرّحته، ومنه شرح الصدر أي بسطه بنور إلهي وسكينة من جهة الله وروح منه، قال تعالى { رب اشرح لي صدري } { ألم نشرح لك صدرك } { أفمن شرح الله صدره } وشرح المشكل من الكلام بسطه وإظهار ما يخفى من معانيه. انتهى. وقوله { من كفر بالله من بعد إيمانه } شرط جوابه قوله { فعليهم غضب من الله } وعطف عليه قوله { ولهم عذاب عظيم } وضمير الجمع في الجزاء عائد إلى اسم الشرط " من " لكونه بحسب المعنى كلياً ذا أفراد. وقوله { إلا من أُكره وقلبه مطمئن بالإِِيمان } استثناء من عموم الشرط والمراد بالإِكراه الإِجبار على كلمة الكفر والتظاهر به فإن القلب لا يقبل الإِكراه والمراد أستثني من أُكره على الكفر بعد الإِيمان فكفر في الظاهر وقلبه مطمئن بالإِيمان. وقوله { ولكن من شرح بالكفر صدراً } أي بسط صدره للكفر فقبله قبول رضى ووعاه، والجملة استدراك من الاستثناء فيعود إلى معنى المستثنى منه فإن المعنى ما أُريد بقولي { من كفر بالله من بعد إيمانه } من أُكره وقلبه مطمئن بالإِيمان ولكن أُريد به من شرح بالكفر صدراً، وفي مجموع الاستثناء والاستدراك بيان كامل للشرط، وهذه هي النكتة لاعتراض الاستثناء بين الشرط والجزاء وعدم تأخيره إلى أن تتم الشرطيّة. وقيل قوله { من كفر } بدل من { الذين لا يؤمنون بآيات الله } في الآية السابقة، وقوله { وأُولئك هم الكاذبون } جملة معترضة، وقوله { إلا من أكره } استثناء من ذلك وقوله { ولكن من شرح } مبتدأ خبره أو القائم مقام خبره قوله { فعليهم غضب من الله }. والمعنى - على هذا - إنما يفتري الكذب الذين كفروا من بعد إيمانهم إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإِيمان، وعند ذلك تم الكلام ثم بدأ فقال ولكن من شرح بالكفر صدراً فعليهم غضب من الله. والذوق السليم يكفي مؤنة هذا الوجه على ما به من السخافة. قوله تعالى { ذلك بأنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة وأن الله لا يهدي القوم الكافرين } بيان لسبب حلول غضب الله بهم وثبوت العذاب العظيم عليهم وهو أنهم اختاروا الحياة الدنيا وهي الحياة المادية التي لا غاية لها الا التمتع الحيوانى والاشتغال بمشتهيات النفس على الآخرة التي هي حياة دائمة مؤبدة في جوار رب العالمين وهي غاية الحياة الإِنسانية. وبعبارة أُخرى هؤلاء لم يريدوا إلا الدنيا وانقطعوا عن الآخرة وكفروا بها والله لا يهدي القوم الكافرين واذ لم يهدهم الله ضلوا عن طريق السعادة والجنة والرضوان فوقعوا في غضب من الله وعذاب عظيم.

السابقالتالي
2 3 4 5 6