الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ وَإِنَّ ٱلسَّاعَةَ لآتِيَةٌ فَٱصْفَحِ ٱلصَّفْحَ ٱلْجَمِيلَ } * { إِنَّ رَبَّكَ هُوَ ٱلْخَلاَّقُ ٱلْعَلِيمُ } * { وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِّنَ ٱلْمَثَانِي وَٱلْقُرْآنَ ٱلْعَظِيمَ } * { لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَٱخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ } * { وَقُلْ إِنِّيۤ أَنَا ٱلنَّذِيرُ ٱلْمُبِينُ } * { كَمَآ أَنْزَلْنَا عَلَى ٱلْمُقْتَسِمِينَ } * { ٱلَّذِينَ جَعَلُواْ ٱلْقُرْآنَ عِضِينَ } * { فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ } * { عَمَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { فَٱصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ ٱلْمُشْرِكِينَ } * { إِنَّا كَفَيْنَاكَ ٱلْمُسْتَهْزِئِينَ } * { ٱلَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ ٱللَّهِ إِلـٰهاً آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ } * { وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ } * { فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِّنَ ٱلسَّاجِدِينَ } * { وَٱعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ ٱلْيَقِينُ }

بيان في الآيات تخلص إلى غرض البيان السابق وهو أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يصدع بما يؤمر ويأخذ بالصفح والإِعراض عن المشركين ولا يحزن عليهم ولا يضيق صدره بما يقولون فإن من القضاء الحق أن يجازى الناس بأعمالهم في الدنيا والآخرة وخاصة يوم القيامة الذي لا ريب فيه وهو اليوم الذي لا يغادر أحداً ولا يدع مثقال ذرة من الخير والشر إلا ألحقه بعامله فلا ينبغي أن يؤسف لكفر كافر فإن الله عليم به سيجازيه، ولا يحزن عليه فإن الاشتغال بالله سبحانه أهم وأوجب. ولقد كرر سبحانه أمره بالصفح والإِعراض عن أولئك المستهزئين به - وهم الذين مر ذكرهم في مفتتح السورة - والاشتغال بتسبيحه وتحميده وعبادته، وأخبره أنه كفاه شرهم فليشتغل بما أمره الله به، وبذلك تختتم السورة. قوله تعالى { وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق، وإن الساعة لآتية } الباء في قوله { بالحق } للمصاحبة أي إن خلقها جميعاً لا ينفك عن الحق ويلازمه فللخلق غاية سيرجع إليها قال تعالىإن إلى ربك الرجعى } العلق 8، ولولا ذلك لكان لعباً باطلاً قال تعالىوما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين ما خلقناهما إلا بالحقّ } الدخان 38ـ39 وقالوما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلاً } ص 27، ومن الدليل على كون المراد بالحق ما يقابل اللعب الباطل تذييل الكلام بقوله { وإن الساعة لآتية } وهو ظاهر. وبذلك يظهر فساد ما ذكره بعضهم أن المراد بالحق العدل والإِنصاف والباء للسببية والمعنى ما خلقنا ذلك إلا بسبب العدل والإِنصاف يوم الجزاء بالأعمال. وذلك أن كون الحق في الآية بمعنى العدل والإِنصاف لا شاهد عليه من اللفظ على أنّ الذي ذكره من المعنى إنما يلائم كون الباء بمعنى لام الغرض أو للمصاحبة دون السببيّة. وكذا ما ذكره بعضهم أن الحق بمعنى الحكمة وأن الجملة الأولى { وما خلقنا } الخ، ناظرة إلى العذاب الدنيوي والثانية { وإن الساعة لآتية } إلى العذاب الاخروي والمعنى وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا متلبّساً بالحق والحكمة بحيث لا يلائم استمرار الفساد واستقرار الشرور، وقد اقتضت الحكمة إهلاك أمثال هؤلاء دفعاً لفسادهم وإرشاداً لمن بقي إلى الصلاح، وإن الساعة لآتية فينتقم أيضاً فيها من أمثال هؤلاء. وفي الآية مشاجرة بين أصحاب الجبر والتفويض كل من الفريقين يجرّ نارها إلى قرصته فاستدلّ بها أصحاب الجبر على أن أفعال العباد مخلوقة لله لأن أعمالهم من جملة ما بينهما فهي مخلوقه له. واستدل بها أصحاب التفويض على أن أفعال العباد ليست مخلوقة له بل لأنفسهم فإن المعاصي وقبائح الأعمال من الباطل فلو كانت مخلوقة له لكانت مخلوقة بالحقّ والباطل لا يكون مخلوقاً بالحق.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10