الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي ٱلسَّمَاءِ بُرُوجاً وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ } * { وَحَفِظْنَاهَا مِن كُلِّ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ } * { إِلاَّ مَنِ ٱسْتَرَقَ ٱلسَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُّبِينٌ } * { وَٱلأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْزُونٍ } * { وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَن لَّسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ } * { وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ } * { وَأَرْسَلْنَا ٱلرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَآ أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ } * { وَإنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ ٱلْوَارِثُونَ } * { وَلَقَدْ عَلِمْنَا ٱلْمُسْتَقْدِمِينَ مِنكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا ٱلْمُسْتَأْخِرِينَ } * { وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ }

بيان لما ذكر سبحانه إعراضهم عن آية القرآن المعجزة واقتراحهم آية أخرى وهي الإِتيان بالملائكة وأجاب عنه أنه ممتنع وملازم لفنائهم عدل إلى عدّ عدة من آيات السماء والأرض الدالة على التوحيد ليعتبروا بها إن كانوا يعقلون وتتم الحجة بها على المجرمين، وقد ضمّن سبحانه فيها طرفاً عالياً من المعارف الحقيقية والأسرار الإِلهية. قوله تعالى { ولقد جعلنا في السماء بروجاً وزيّناها للناظرين } إلى آخر الآيات الثلاث، البروج جمع برج وهو القصر سمّيت بها منازل الشمس والقمر من السماء بحسب الحسّ تشبيهاً لها بالقصور التي ينزلها الملوك. والضمير في قوله { وزيّناها } للسماء كما في قوله { وحفظناها } وتزيينها للناظرين هو ما نشاهده في جوّها من البهجة والجمال الذي يولّه الألباب بنجومها الزاهرة وكواكبها اللامعة على اختلاف أقدارها وتنوّع لمعاتها وقد كرّر سبحانه ذكر هذا التزيين الكاشف عن مزيد عنايته به كقولهوزيّنا السماء الدنيا بمصابيح وحفظاً } فصلت 12 وقولهإنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب وحفظاً من كل شيطان مارد لا يسَّمَّعون إلى الملأ الأعلى ويقذفون من كل جانب دحوراً ولهم عذاب واصب إلا من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب } الصافات 6ـ10. واستراق السمع أخذ الخبر المسموع في خفية كمن يصغي خفية إلى حديث قوم يسرونه فيما بينهم، واستراق السمع من الشياطين هو محاولتهم أن يطّلعوا على بعض ما يحدّث به الملائكة فيما بينهم كما يدل عليه ما تقدم آنفاً من آيات سورة الصافات. والشهاب هو الشعلة الخارجة من النار ويطلق على ما يشاهد في الجو من أجرام مضيئة كأن الواحد منها كوكب ينقضّ دفعة من جانب إلى آخر فيسير سيراً سريعاً ثم لا يلبث دون أن ينطفئ. فظاهر معنى الآيات ولقد جعلنا في السماء - وهي جهة العلو - بروجاً وقصوراً هي منازل الشمس والقمر وزيناها أي السماء للناظرين بزينة النجوم والكواكب وحفظناها أي السماء من كل شيطان رجيم أن ينفذ فيها فيطَّلع على ما تحتويه من الملكوت إلا من استرق السمع من الشياطين بالاقتراب منه ليسمع ما يحدّث به الملائكة من أحاديث الغيب المتعلقة بمستقبل الحوادث وغيرها فإنه يتبعه شهاب مبين. وسنتكلم إن شاء الله في الشهب ومعنى رمي الشياطين فيما سيأتي من تفسير سورة الصافات. قوله تعالى { والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل شيء موزون } مدَّ الأرض بسطها طولاً وعرضاً وبذلك صلحت للزرع والسكنى ولو اغشيت جبالاً شاهقة مضرّسة لفقدت كمال حياة الحيوان عليها. والرواسي صفة محذوفة الموصوف والتقدير وألقينا فيها جبالاً رواسي وهو جمع راسية بمعنى الثابتة إشارة إلى ما وقع في غير هذا الموضع أنها تمنع الأرض من الميدان كما قال

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9