الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي شِيَعِ ٱلأَوَّلِينَ } * { وَمَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } * { كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ ٱلْمُجْرِمِينَ } * { لاَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ ٱلأَوَّلِينَ } * { وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَاباً مِّنَ ٱلسَّمَاءِ فَظَلُّواْ فِيهِ يَعْرُجُونَ } * { لَقَالُواْ إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَّسْحُورُونَ }

بيان لما ذكر استهزاءهم بكتابه ونبيه وما اقترحوا عليه من الإِتيان بالملائكة آية للرسالة عقّبه بثلاث طوائف من الآيات وهي المصدَّرة بقوله { ولقد أرسلنا من قبلك } الخ وقوله { ولقد جعلنا في السماء بروجاً } الخ وقوله { ولقد خلقنا الإِنسان من صلصال } الخ. فبيّن في أُوليها أن هذا الاستهزاء دأب وسنة جارية للمجرمين وليسوا بمؤمنين ولو جاءتهم آية آية، وفي الثانية أن هناك آيات سماوية وأرضية كافية لمن وفّق للإِيمان وفي الثالثة أن الاختلاف بالإِيمان والكفر في نوع الإِنسان وضلال أهل الضلال مما تعين لهم يوم أبدع الله خلق الإِنسان، فخلق آدم وجرى هنالك ما جرى من أمر الملائكة بالسجود وإباء إبليس عن ذلك. قوله تعالى { ولقد أرسلنا من قبلك في شيع الأولين } إلى آخر الآيتين. الشيع جمع شيعة وهي الفرقة المتفقة على سنة أو مذهب يتّبعونه، قال تعالىمن الذين فرّقوا دينهم وكانوا شيعاً كل حزب بما لديهم فرحون } الروم 32. وقوله { ولقد أرسلنا } أي رسلاً وقد حذف للاستغناء عنه فإن العناية بأصل تحقق الإِرسال من قبل من غير نظر إلى من أُرسل بل بيان أن البشر الأولين كالآخرين جرت عادتهم على أن لا يحترموا الرسالة الإِلهية ويستهزؤا بمن أتى بها ويمضوا على إجرامهم لتكون في ذلك تعزية للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فلا يضيق صدره بما قابلوه به من الانكار والاستهزاء كما سيعود إليه في آخر السورة بقولهولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون } الحجر 97 الخ. والمعنى طب نفساً فنحن نزّلنا الذكر عليك ونحن نحفظه ولا يضيقنَّ صدرك بما يقولون فهو دأب المجرمين من الأمم الإِنسانية أُقسم لقد أرسلنا من قبلك في فرق الأولين وشيعهم وحالهم هذه الحال ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزؤن. قوله تعالى { كذلك نسلكه في قلوب المجرمين } إلى آخر الآيتين. السلوك النفاذ والإِنفاذ يقال سلك الطريق أي نفذ فيه وسلك الخيط في الإِبرة أي أنفذه فيها وادخله وذكروا أن سلك وأسلك بمعنى. والضميران في " نسلكه " و " به " للذكر المتقدم ذكره وهو القرآن الكريم والمعنى أن حال رسالتك ودعوتك بالذكر المنزل إليك تشبه حال الرسالة من قبلك فكما أرسلنا من قبلك فقابلوها بالرد والاستهزاء كذلك ندخل هذا الذكر وننفذه في قلوب هؤلاء المجرمين، ونبّأ به أنهم لا يؤمنون بالذكر وقد مضت طريقة الأولين وسنتهم في أنهم يستهزؤن بالحق ولا يتّبعونه فالآيتان قريبتا المعنى من قوله { فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل }. وربما قيل إن الضميرين للشرك أو الاستهزاء المفهوم من الآيات السابقة والباء في " به " للسببية، والمعنى كذلك ننفذ الشرك أو الاستهزاء في قلوب المجرمين لا يؤمنون بسبب الشرك أو الاستهزاء الخ.

السابقالتالي
2 3