الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ ٱلظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ ٱلأَبْصَارُ } * { مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَآءٌ } * { وَأَنذِرِ ٱلنَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ ٱلْعَذَابُ فَيَقُولُ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ رَبَّنَآ أَخِّرْنَآ إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ ٱلرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوۤاْ أَقْسَمْتُمْ مِّن قَبْلُ مَا لَكُمْ مِّن زَوَالٍ } * { وَسَكَنتُمْ فِي مَسَـٰكِنِ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ ٱلأَمْثَالَ } * { وَقَدْ مَكَرُواْ مَكْرَهُمْ وَعِندَ ٱللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ ٱلْجِبَالُ } * { فَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ ذُو ٱنْتِقَامٍ } * { يَوْمَ تُبَدَّلُ ٱلأَرْضُ غَيْرَ ٱلأَرْضِ وَٱلسَّمَٰوَٰتُ وَبَرَزُواْ لِلَّهِ ٱلْوَاحِدِ الْقَهَّارِ } * { وَتَرَى ٱلْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُّقَرَّنِينَ فِي ٱلأَصْفَادِ } * { سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ وَتَغْشَىٰ وُجُوهَهُمُ ٱلنَّارُ } * { لِيَجْزِىَ ٱللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ إِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ } * { هَـٰذَا بَلاَغٌ لِّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُواْ بِهِ وَلِيَعْلَمُوۤاْ أَنَّمَا هُوَ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ }

بيان لما أنذر وبشّر سبحانه في الآيات السابقة ودعا إلى صراطه بما أنه العزيز الحميد ختم بيانه بدفع ما ربما يسبق إلى أوهام ضعفاء العقول من الناس من أن الأمر لو كان على ما ذكر وكانت هذه الدعوة دعوة نبوية من لدن رب عزيز حميد فما بال هؤلاء الظالمين يتمتعون بما شاؤا؟ وما باله لا يأخذ الظالمين بظلمهم ولا يلجم المتخلفين عن دعوته المخالفين عن أمره؟ أهو في غفلة عما يعملونه أم هو مخلف وعده رسله يعدهم بالنصر ثم لا يفي بوعده؟ فأجاب تعالى أنه ليس بغافل عما يعمل الظالمون، ولا مخلف وعده رسله كيف؟ وهو تعالى عليم بما يمكرون وعزيز ذو انتقام بل إنما يؤخرهم ليوم شديد وهو يوم الجزاء. على أنه تعالى ربما أخذهم بذنوبهم في الدنيا كما أخذ الأمم الماضين. ثم ختم السورة بقوله { هذا بلاغ للناس ولينذروا به وليعلموا أنما هو إله واحد وليذّكّر أُولوا الألباب } وهي آية جامعة لغرض السورة كما سيجيء بيانه إن شاء الله. قوله تعالى { ولا تحسبنّ الله غافلاً عما يعمل الظالمون } إلى آخر الآيتين يقال شخص بصره أي سكن بحيث لا يطرف جفنه، ويقال بعير مهطع إذا صوب عنقه أي رفعه وهطع وأهطع بمعنى، ويقال أقنع رأسه إذا رفعه، وقوله { لا يرتد إليهم طرفهم } أي لا يقدرون على أن يطرفوا من هول ما يشاهدونه، وقوله { وافئدتهم هواء } أي قلوبهم خالية عن التعقل والتدبير لشدة الموقف أو أنها زائلة. والمعنى ولا تحسبنّ الله ولا تظنّنه غافلاً عما يعمل هؤلاء الظالمون بما تشاهد من تمتعهم وإترافهم في العيش وإفسادهم في الأرض إنما يمهلهم الله ويؤخر عقابهم إلى يوم يسكن فيه أبصارهم فلا تطرف والحال أنهم ما دّون لأعناقهم رافعون لرؤوسهم لا يقدرون على ردّ طرفهم وقلوبهم مدهوشة خالية عن كل تحيّل وتدبير من شدة هول يوم القيامة وفي الآية إنذار للظالمين وتعزية لغيرهم. قوله تعالى { وأنذر الناس يوم يأتيهم العذاب } إلى آخر الآية. في الآية إنذار بعد إنذار وبين الإِنذارين فرق من جهتين إحداهما أن الإِنذار في الآيتين السابقتين إنذار بما أعدّ الله من أهوال يوم القيامة وأليم العذاب فيه، وأما الذي في هذه الآية وما يتلوها فهو إنذار بعذاب الاستئصال في الدنيا ومن الدليل عليه قوله { فيقول الذين ظلموا ربنا أخّرنا إلى أجل قريب } الخ. وبذلك يظهر أن لا وجه لما ذكره بعضهم أن المراد بهذا اليوم الذي يأتيهم فيه العذاب هو يوم القيامة، وكذا ما ذكره آخرون أن المراد به يوم الموت. والثانية أن الإِنذار الأول إنذار بعذاب قطعي لا صارف له عن أُمة ظالمة ولا فرد ظالم من أُمة وأما الإِنذار الثاني فهو إنذار بعذاب غير مصروف عن أُمة ظالمة وأما الفرد فربما صرف عنه، ولذلك ترى أنه تعالى يقول أولاً { وأنذر الناس } ثم يقول { فيقول الذين ظلموا } الخ ولم يقل فيقولون أي الناس لأن عذاب الاستئصال لا يصيب المؤمنين قال تعالى

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10