الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ ٱجْعَلْ هَـٰذَا ٱلْبَلَدَ ءَامِناً وَٱجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ ٱلأَصْنَامَ } * { رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِّنَ ٱلنَّاسِ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { رَّبَّنَآ إِنَّيۤ أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ ٱلْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ فَٱجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ ٱلنَّاسِ تَهْوِىۤ إِلَيْهِمْ وَٱرْزُقْهُمْ مِّنَ ٱلثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ } * { رَبَّنَآ إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَىٰ عَلَى ٱللَّهِ مِن شَيْءٍ فَي ٱلأَرْضِ وَلاَ فِي ٱلسَّمَآءِ } * { ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى ٱلْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ ٱلدُّعَآءِ } * { رَبِّ ٱجْعَلْنِي مُقِيمَ ٱلصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَآءِ } * { رَبَّنَا ٱغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ ٱلْحِسَابُ }

بيان تتضمن الآيات تذكرة ثانية بجملة من نعمه عقيب التذكرة الأولى التي يتضمنها قوله { وإذ قال موسى لقومه اذكروا نعمة الله عليكم إذ أنجاكم من آل فرعون } الآية فذكر سبحانه أولاً نعمته على جمع من عباده المؤمنين وهم بنو إسرائيل من ولد إبراهيم ثم ذكر ثانياً نعمته على جمع آخر منهم وهم بنو إسماعيل من ولد إبراهيم وهي التي يتضمنها دعاء إبراهيم عليه السلام { رب اجعل هذا البلد آمناً } إلى آخر دعائه وفيها نعمة توفيقه تعالى لهم أن يجتنبوا عبادة الأصنام ونعمة الأمن بمكة وميل الأفئدة إلى أهله ورزقهم من الثمرات وغير ذلك كل ذلك لأن الله سبحانه هو العزيز الحميد. قوله تعالى { وإذ قال إبراهيم ربّ اجعل هذا البلد آمناً } أي واذكر إذ قال إبراهيم والإِشارة إلى مكة شرّفها الله تعالى. وقد حكى الله سبحانه نظير هذا الدعاء على اختصار فيه عن إبراهيم عليه السلام في موضع آخر بقولهوإذ قال إبراهيم ربّ اجعل هذا بلداً آمناً وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر قال ومن كفر فامتّعه قليلاً ثم اضطرّه إلى عذاب النار وبئس المصير } البقرة 126. ومن الممكن أن يستفاد من اختلاف المحكيّين في التعبير أعني قوله { اجعل هذا بلداً آمناً } وقوله { اجعل هذا البلد آمناً } أنهما دعاءان دعا عليه السلام بهما في زمانين مختلفين، وأنه بعد ما أسكن إسماعيل وأُمه أرض مكة ورجع إلى أرض فلسطين ثم عاد إليهما وجد من إقبال جرهم إلى مجاورتهما مكاناً ما سرّ بذلك فدعا عند ذلك مشيراً إلى مكانهم { ربّ اجعل هذا بلداً آمناً } فسأل ربه أن يجعل المكان بلداً ولم يكن به وأن يرزق أهله المؤمنين من الثمرات، ثم لما عاد إليهم بعد ذلك بزمان وجد المكان بلداً فسأل ربه أن يجعل البلد آمناً. ومما يؤيّد كونهما دعاءين ما فيهما من الاختلاف من غير هذه الجهة ففي آية البقرة الدعاء لأهل البلد بالرزق من الثمرات وفي الآيات المبحوث عنها الدعاء بذلك لذريته خاصة مع أمور اخرى دعا بها لهم. وعلى هذا يكون هذا الدعاء المحكي عن إبراهيم عليه السلام في هذه الآيات آخر ما أورده الله تعالى في كتابه من كلام إبراهيم عليه السلام ودعائه، وقد دعا به بعدما أسكن إسماعيل وأُمه بها وجاورتهما قبيلة جرهم وبنى البيت الحرام وبنيت بلدة مكة بأيدي القاطنين هناك كما تدل عليه فقرات الآيات. وعلى تقدير أن يكون المحكيان دعاء واحداً يكون قوله { ربّ اجعل } الخ تقديره ربّ اجعل هذا البلد بلداً آمناً وقد حذف في إحدى الآيتين المشار إليه وفي الأخرى الموصوف اختصاراً.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10