الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ ٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنجَاكُمْ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَآءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَآءَكُمْ وَفِي ذٰلِكُمْ بَلاۤءٌ مِّن رَّبَّكُمْ عَظِيمٌ } * { وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ } * { وَقَالَ مُوسَىۤ إِن تَكْفُرُوۤاْ أَنتُمْ وَمَن فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ ٱللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ } * { أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَٱلَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ لاَ يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ ٱللَّهُ جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِٱلْبَيِّنَـٰتِ فَرَدُّوۤاْ أَيْدِيَهُمْ فِيۤ أَفْوَٰهِهِمْ وَقَالُوۤاْ إِنَّا كَفَرْنَا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَنَآ إِلَيْهِ مُرِيبٍ } * { قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي ٱللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَىۤ أَجَلٍ مُّسَـمًّـى قَالُوۤاْ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَآؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ } * { قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَمُنُّ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَآ أَن نَّأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَعلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ } * { وَمَا لَنَآ أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى ٱللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَىٰ مَآ آذَيْتُمُونَا وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُتَوَكِّلُونَ } * { وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّـكُمْ مِّنْ أَرْضِنَآ أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَىٰ إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ ٱلظَّالِمِينَ } * { وَلَنُسْكِنَنَّـكُمُ ٱلأَرْضَ مِن بَعْدِهِمْ ذٰلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ } * { وَٱسْتَفْتَحُواْ وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ } * { مِّن وَرَآئِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَىٰ مِن مَّآءٍ صَدِيدٍ } * { يَتَجَرَّعُهُ وَلاَ يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ ٱلْمَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِن وَرَآئِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ } * { مَّثَلُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ ٱشْتَدَّتْ بِهِ ٱلرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لاَّ يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُواْ عَلَىٰ شَيْءٍ ذٰلِكَ هُوَ ٱلضَّلاَلُ ٱلْبَعِيدُ }

بيان الآيات تشتمل على ذكر نبذة من نعم الله ونقمه في أيامه، وظاهر سياق الآيات أنها من كلام موسى عليه السلام غير قوله تعالى { وإذ تأذن ربكم } الآية فهي حكاية قول موسى يذكّر فيها قومه ببعض أيام الله سبحانه على ما يقتضيه عزته المطلقة من إنزال النعم والنقم، ووضع كل في موضعه الذي يليق به حسب ما اقتضته حكمته البالغة. قوله تعالى { وإذ قال موسى لقومه اذكروا نعمة الله عليكم } إلى آخر الآية، السوم على ما ذكره الراغب بمعنى الذهاب في ابتغاء الشيء فهو لفظ لمعنى يتركب من الذهاب والابتغاء فكأنه في الآية بمعنى إذاقة العذاب، والاستحياء استبقاء الحياة. والمعنى واذكر أيها الرسول لزيادة التثّبت في أن الله عزيز حميد إذ قال موسى لقومه وهم بنو إسرائيل { اذكروا نعمة الله عليكم يوم أنجاكم من آل فرعون وخاصة من القبط والحال أنهم مستمرون على إذاقتكم سوء العذاب ويكثرون ذبح الذكور من أولادكم وعلى استبقاء حياة نسائكم للاسترقاق، وفي ذلكم بلاء ومحنة من ربكم عظيم }. قوله تعالى { وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد } قال في المجمع التأذّن الإِعلام يقال آذن وتأذّن ومثله أوعد وتوعّد. انتهى. وقوله { وإذ تأذن ربكم } الخ معطوف على قوله { وإذ قال موسى لقومه } وموقع الآية التالية { وقال موسى } الخ، من هذه الآية كموقع قوله { ولقد أرسلنا موسى } الخ، من قوله { كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور } الخ، فافهم ذلك فهو الأنسب بسياق كلامه تعالى. وذكر بعضهم أنه داخل في مقول موسى وليس بكلام مبتدء وعليه فهو معطوف على قوله { نعمة الله عليكم } والتقدير اذكروا نعمة الله عليكم واذكروا إذ تأذّن ربكم الخ، وفيه أنه لو كان كذلك لكان الأنسب أن يقال اذكروا إذ أنجاكم فأنعم عليكم وإذ تأذّن ربكم الخ، لما فيه من رعاية حكم الترتيب. وقيل إنه معطوف على قوله { إذ أنجاكم } والمعنى اذكروا نعمة الله عليكم إذ تأذَّن ربكم، فإن هذا التأذّن نفسه نعمة لما فيه من الترغيب والترهيب الباعثين إلى نيل خير الدنيا والآخرة. وفيه أن هذا التأذن ليس إلا نعمة للشاكرين منهم خاصة وأما غيرهم فهو نقمة عليهم وخسارة فنظمه في سلك ما تقدمه من غير تقييد أو استثناء ليس على ما ينبغي. فالظاهر أنه كلام مبتدأ وقد بيّن تعالى هذه الحقيقة أعني كون الشكر - الذي حقيقته استعمال النعمة بنحو يذكِّر إنعام المنعم ويظهر إحسانه ويؤول في مورده تعالى إلى الإِيمان به والتقوى - موجباً لمزيد النعمة والكفر لشديد العذاب، في مواضع من كلامه، وقد حكى عن نوح فيما ناجى ربه ودعا على قومه

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد