الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ الۤر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ ٱلنَّاسَ مِنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَىٰ صِرَاطِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَمِيدِ } * { ٱللَّهِ ٱلَّذِي لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَوَيْلٌ لِّلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ } * { ٱلَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا عَلَى ٱلآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً أُوْلَـٰئِكَ فِي ضَلاَلٍ بَعِيدٍ } * { وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ ٱللَّهُ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } * { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَآ أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ ٱللَّهِ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ }

بيان السورة الكريمة تصف القرآن النازل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم من حيث إنه آية رسالته يخرج به الناس من الظلمات إلى النور ويهديهم إلى صراط الله سبحانه الذي هو عزيز حميد أي غالب غير مغلوب وغني غير محتاج إلى الناس وجميل في فعله منعم عليهم، وإذا كان المنعم غالباً غنياً حميد الأفعال كان على المنعم عليهم أن يجيبوا دعوته ويلبوا نداءه حتى يسعدوا بما أفاض عليهم من النعم، وأن يخافوا سخطه وشديد عذابه فإنه قوي غير محتاج إلى أحد، له أن يستغني عنهم فيذهب بهم ويأتي بآخرين كما فعل بالذين كفروا بنعمته من الأمم الماضين فإن آيات السماوات والأرض ناطقة بأن النعمة كلها له وهو رب العزة وولي الحمد لا رب سواه. وبهذا تختتم السورة إذ يقول عزَّ من قائل { هذا بلاغ للناس ولينذروا به وليعلموا أنما هو إله واحد وليذكّر أُولوا الألباب }. ولعل ما ذكرنا هو مراد من قال إن السورة مفتتحة ببيان الغرض من الرسالة والكتاب يشير إلى قوله تعالى { لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم }. والسورة مكيَّة على ما يدل عليه سياق آياتها، ونسب إلى ابن عباس والحسن وقتادة أنها مكية إلا آيتين منها نزلتا في قتلى بدر من المشركين { ألم ترَ إلى الذين بدّلوا نعمة الله كفراً وأحلوا قومهم دار البوار جهنم يصلونها وبئس القرار } وسيأتي أن الآيتين غير صريحتين ولا ظاهرتين في ذلك. قوله تعالى { الر كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم } أي هذا كتاب أنزلناه إليك، فهو خبر لمبتدأ محذوف على ما يعطيه السياق وقيل غير ذلك. وقوله { لتخرج الناس من الظلمات إلى النور } ظاهر السياق عموم الناس لا خصوص قومه صلى الله عليه وآله وسلم ولا خصوص المؤمنين منهم إذ لا دليل على التقييد من جهة اللفظ، وكلامه تعالى صريح في عموم الرسالة كقولهليكون للعالمين نذيراً } الفرقان 1 وقولهلأنذركم به ومن بلغ } الأنعام 19، وقولهقل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً } الأعراف 158، والآيات الصريحة في دعوة اليهود وعامّة أهل الكتاب، وعمله صلى الله عليه وآله وسلم في دعوتهم وقبول إيمان من آمن منهم كعبد الله بن سلام وسلمان وبلال وصهيب وغيرهم تؤيد ذلك. على أن آخر السورة { هذا بلاغ للناس ولينذروا به } الآية، وقد قوبل به أولها يؤيّد أن المراد بالناس أعمّ من المؤمنين الذين خرجوا من الظلمات إلى النور بالفعل. وقد نسب الإِخراج من الظلمات إلى النور إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم لكونه أحد الأسباب الظاهرية لذلك وإليه ينتهي إيمان المؤمنين بدعوته بلا واسطة أو بواسطة، ولا ينافيه قوله

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10