الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ ٱلْكِتَابِ }

بيان الآية خاتمة السورة وتعطف الكلام على ما في مفتتحها من قوله { والذي أُنزل إليك من ربك الحق ولكن أكثر الناس لا يؤمنون } وهي كرة ثالثة على منكري حقيقة كتاب الله يستشهد فيها بأن الله يشهد على الرسالة ومن حصل له العلم بهذا الكتاب يشهد بها. قوله تعالى { ويقول الذين كفروا لست مرسلاً } الخ بناء الكلام في السورة على إنكارهم حقيقة الكتاب وعدم عدهم إياه آية إلهية للرسالة ولذا كانوا يقترحون آية غيره كما حكاه الله تعالى في خلال الآيات مرة بعد مرة وأجاب عنه بما يرد عليهم قولهم فكأنهم لما يئسوا مما اقترحوا أنكروا أصل الرسالة لعدم إذعانهم بما أنزل الله من آية وعدم إجابتهم فيما اقترحوه من آية فكانوا يقولون { لست مرسلاً }. فلقَّن الله نبيه صلى الله عليه وآله وسلم الحجة عليهم لرسالته بقوله { قل كفى بالله شهيداً بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب } وهو حجة قاطعة وليس بكلام خطابي ولا إحالة إلى ما لا طريق إلى حصول العلم به. فقوله { قل كفى بالله شهيداً بيني وبينكم } استشهاد بالله سبحانه وهو ولي أمر الإِرسال وإنما هي شهادة تأدية لا شهادة تحمل فقط فإن أمثال قوله تعالى { إنك لمن المرسلين على صراط مستقيم } من آيات القرآن وكونه آية معجزة من الله ضروري، وكونه قولاً وكلاماً له سبحانه ضروري واشتماله على تصديق الرسالة بدلالة المطابقة المعتمدة على علم ضروري أيضاً ضروري، ولا نعني بشهادة التأدية إلا ذلك. ومن فسر شهادته تعالى من المفسرين بأنه تعالى قد أظهر على رسالتي من الأدلة والحجج ما فيه غنى عن شهادة شاهد آخر ثم قال وتسمية ذلك شهادة مع أنه فعل وهى قول من المجاز حيث إنه يغني غناها بل هو أقوى منها. انتهى. فقد قصد المطلوب من غير طريقه. وذلك أن الأدلة والحجج الدالة على حقيقة رسالته صلى الله عليه وآله وسلم إما القرآن وهو الآية المعجزة الخالدة، وإما غيره من الخوارق والمعجزات وآيات السورة - كما ترى - لا تجيب الكفار على ما اقترحوه من هذا القسم الثاني ولا معنى حينئذ للاستشهاد بما لم يجابوا عليه، وأما القرآن فمن البين أن الاستناد إليه من جهة أنه معجزة تصدّق الرسالة بدلالتها عليها أي كلام له تعالى يشهد بالرسالة، وإذا كان كذلك فما معنى العدول عن كونه كلاماً له تعالى يدل على حقيقة الرسالة أي شهادة لفظية منه تعالى على ذلك بحقيقة معنى الشهادة إلى كونه دليلاً فعلياً منه عليها سمى مجازاً بالشهادة؟. على أن كون فعله تعالى أقوى دلالة على ذلك من قوله ممنوع. فقد تحصل أن معنى قوله { الله شهيد بيني وبينكم } أن ما وقع في القرآن من تصديق الرسالة شهادة إلهية بذلك.

السابقالتالي
2 3 4 5