الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ ٱلأَحْزَابِ مَن يُنكِرُ بَعْضَهُ قُلْ إِنَّمَآ أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ ٱللَّهَ وَلاۤ أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآبِ } * { وَكَذٰلِكَ أَنزَلْنَاهُ حُكْماً عَرَبِيّاً وَلَئِنِ ٱتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَ مَا جَآءَكَ مِنَ ٱلْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ ٱللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ وَاقٍ } * { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ } * { يَمْحُواْ ٱللَّهُ مَا يَشَآءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ ٱلْكِتَابِ } * { وَإِن مَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ ٱلَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ ٱلْبَلاَغُ وَعَلَيْنَا ٱلْحِسَابُ } * { أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَأْتِي ٱلأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَٱللَّهُ يَحْكُمُ لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ } * { وَقَدْ مَكَرَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ ٱلْمَكْرُ جَمِيعاً يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ ٱلْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى ٱلدَّارِ }

بيان تتمة الآيات السابقة وتعقب قولهم { لولا أُنزل عليه آية من ربه }. قوله تعالى { والذين آتيناهم الكتاب يفرحون بما أُنزل إليك } إلى آخر الآية. الظاهر أن المراد بالذين أُوتوا الكتاب اليهود والنصارى أو هم والمجوس فإن هذا هو المعهود من إطلاقات القرآن والسورة مكية وقد أثبت التاريخ أن اليهود ما كانوا يعاندون النبوة العربية في أوائل البعثة وقبلها ذاك العناد الذي ساقتهم إليه حوادث ما بعد الهجرة وقد دخل جمع منهم في الإِسلام أوائل الهجرة وشهدوا على نبوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكونه مبشراً به في كتبهم كما قال تعالىوشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله فآمن واستكبرتم } الأحقاف 10. وإنه كان من النصارى يومئذ قوم على الحق من غير أن يعاندوا دعوة الإِسلام كقوم من نصارى الحبشة على ما نقل من قصة هجرة الحبشة وجمع من غيرهم، وقد قال تعالى في أمثالهموالذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون } القصص 52 وقالومن قوم موسى أُمة يهدون بالحق وبه يعدلون } الأعراف 159 وكذا كانت المجوس ينتظرون الفرج بظهور منج ينشر الحق والعدل وكانوا لا يعاندون الحق كما يعانده المشركون. فالظاهر أن يكونوا هم المعنيون بالآية وخاصة المحقون من النصارى وهم القائلون بكون المسيح بشراً رسولاً كالنجاشي وأصحابه، ويؤيده ما في ذيل الآية من قوله { قل إنما أُمرت أن أعبد الله ولا أشرك به إليه أدعو } فإنه أنسب أن يخاطب به النصارى. وقوله { ومن الأحزاب من ينكر بعضه } اللام للعهد أي ومن أحزاب أهل الكتاب من ينكر بعض ما أُنزل إليك وهو ما دل منه على التوحيد ونفي التثليث وسائر ما يخالف ما عند أهل الكتاب من المعارف والأحكام المحرفة. وقوله { قل إنما أُمرت أن أعبد الله ولا أُشرك به } دليل على أن المراد من البعض الذي ينكرونه ما يرجع إلى التوحيد في العبادة أو الطاعة وقد أمره الله أن يخاطبهم بالموافقة عليه بقولهقل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله } آل عمران 64. ثم تمم الكلام بقوله { إليه أدعوا وإليه مآب } أي مرجعي فكان أول الكلام مفصحاً عن بغيته في نفسه ولغيره، وآخره عن سيرته أي أُمرت لأعبد الله وحده في عملي ودعوتي، وعلى ذلك أسير بين الناس فلا أدعو إلا إليه ولا أرجع في أمر من أموري إلا إليه فذيل الآية في معنى قولهقل هذه سبيلي أدعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين } يوسف 108. ويمكن أن يكون المراد بقوله { وإليه مآب } المعاد ويفيد حينئذ فائدة التعليل أي إليه أدعو وحده لأن مآبي إليه وحده.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9