الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ الۤمۤر تِلْكَ آيَاتُ ٱلْكِتَابِ وَٱلَّذِيۤ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ٱلْحَقُّ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ } * { ٱللَّهُ ٱلَّذِي رَفَعَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ وَسَخَّرَ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّـى يُدَبِّرُ ٱلأَمْرَ يُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَآءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ } * { وَهُوَ ٱلَّذِي مَدَّ ٱلأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِىَ وَأَنْهَاراً وَمِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ ٱثْنَيْنِ يُغْشِى ٱلَّيلَ ٱلنَّهَارَ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } * { وَفِي ٱلأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَىٰ بِمَآءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَىٰ بَعْضٍ فِي ٱلأُكُلِ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ }

بيان غرض السورة بيان حقيقة ما نزل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الكتاب وأنه آية الرسالة وأن قولهم { لولا أُنزل عليه آية من ربه } وهم يعرّضون به للقرآن ولا يعدونه آية كلام مردود إليهم ولا ينبغي للنبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يصغي إليه ولا لهم أن يتفوهوا به. ويدل على ذلك ابتداء السورة بمثل قوله { والذي أُنزل إليك من ربك الحق ولكن أكثر الناس لا يؤمنون } واختتامها بقوله { ويقول الذين كفروا لست مرسلاً قل كفى بالله شهيداً بيني وبينكم } الآية، وتكرار حكاية قولهم لولا أُنزل عليه آية من ربه. ومحصل البيان على خطاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن هذا القرآن النازل عليك حق لا يخالطه باطل فإن الذي يشتمل عليه من كلمة الدعوة هو التوحيد الذي تدل عليه آيات الكون من رفع السماوات ومد الأرض وتسخير الشمس والقمر وسائر ما يجري عليه عجائب تدبيره وغرائب تقديره تعالى. وتدل على حقيقة دعوته أيضاً أخبار الماضين وآثارهم جاءتهم الرسل بالبينات فكفروا وكذبوا فأخذهم الله بذنوبهم. فهذا ما يتضمنه هذا الكتاب وهو آية دالة على رسالتك. وقولهم { لولا أُنزل عليه آية } تعريضاً منهم للقرآن مردود إليهم أولاً بأنك لست إلا منذراً وليس لك من الأمر شيء حتى يقترح عليك بمثل هذه الكلمة وثانياً أن الهداية والإِضلال ليسا كما يزعمون في وسع الآيات حتى يرجوا الهداية من آية يقترحونها وإنما ذلك إلى الله سبحانه يضل من يشاء ويهدي من يشاء على نظام حكيم وأما قولهم لست مرسلاً فيكفيك من الحجة شهادة الله في كلامه على رسالتك ودلالة ما فيه من المعارف الحقة على ذلك. ومن الحقائق الباهرة المذكورة في هذه السورة ما يتضمنه قوله { أنزل من السماء ماء } الآية، وقوله { ألا بذكر الله تطمئن القلوب } ، وقوله { يمحوا الله ما يشاء ويثبت وعنده أُم الكتاب } ، وقوله { فلله المكر جميعاً }. والسورة مكية كلها على ما يدل عليه سياق آياتها وما تشتمل عليه من المضامين، ونقل عن بعضهم أنها مكية إلا آخر آية منها فإنها نزلت بالمدينة في عبد الله بن سلام، وعزي ذلك إلى الكلبي ومقاتل، ويدفعه أنها مختتم السورة قوبل بها ما في مفتتحها من قوله { والذي أُنزل إليك من ربك الحق }. وقيل إن السورة مدنية كلها إلا آيتين منها وهما قوله { ولو أن قرآناً سيرت به الجبال } الآية والآية التي بعدها، ونسب ذلك إلى الحسن وعكرمة وقتادة، ويدفعه سياق الآيات بما تشتمل عليه من المضامين فإنها لا تناسب ما كان يجري عليه الحال في المدينة وبعد الهجرة. وقيل إن المدني منها قوله تعالى { ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة } الآية والباقي مكي وكأن القائل اعتمد في ذلك على قبولها الانطباق على أوائل حال الإِسلام بعد الهجرة إلى الفتح وسيأتي في بيان معنى الآية ما يتضح به اندفاعه.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9