الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ إِذْ قَالَ يُوسُفُ لأَبِيهِ يٰأَبتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ } * { قَالَ يٰبُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَىٰ إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْداً إِنَّ ٱلشَّيْطَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ } * { وَكَذٰلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ ٱلأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَىٰ ءَالِ يَعْقُوبَ كَمَآ أَتَمَّهَآ عَلَىٰ أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }

بيان تذكر الآيات رؤيا رآها يوسف وقصها على أبيه يعقوب عليهما السلام فعبرها أبوه له ونهاه أن يقصها على إخوته، وهذه الرؤيا بشرى بشَّر الله سبحانه يوسف بها ليكون مادة روحية لتربيته تعالى عبده في صراط الولاية والقرب من ربه، وهى بمنزلة المدخل في قصته عليه السلام. قوله تعالى { إذ قال يوسف لأبيه يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكباً والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين } لم يذكر يعقوب عليه السلام باسمه بل كنى عنه بالأب للدلالة على ما بينهما من صفة الرحمة والرأفة والشفقة كما يدل عليه ما في الآية التالية { قال يا بني لا تقصص } الخ. وقوله { رأيت } و { رأيتهم } من الرؤيا وهى ما يشاهده النائم في نومته أو الذي خمدت حواسه الظاهرة بإغماء أو ما يشابهه، ويشهد به قوله في الآية التالية { لا تقصص رؤياك على إخوتك } وقوله في آخر القصة { يا أبت هذا تأويل رؤياي }. وتكرار ذكر الرؤية لطول الفصل بين قوله { رأيت } وقوله { لي ساجدين } ومن فائد التكرير الدلالة على أنه إنما رآهم مجتمعين على السجود جميعاً لا فرادى. على أن ما حصل له من المشاهدة نوعان مختلفان فمشاهدة أشخاص الكواكب والشمس والقمر مشاهدة أمر صوريّ ومشاهدة سجدتهم وخضوعهم وتعظيمهم له مشاهدة أمر معنويّ. وقد عبر عن الكواكب والنيرين في قوله { رأيتهم لي ساجدين } بما يختص بأولى العقل - ضمير الجمع المذكر وجمع المذكر السالم - للدلالة على أن سجدتهم كانت عن علم وإرادة كما يسجد واحد من العقلاء لآخر. وقد افتتح سبحانه قصته عليه السلام بذكر هذه الرؤيا التي أراها له وهي بشرى له تمثل له ما سيناله من الولاية الإلهية ويخص به من اجتباء الله إياه وتعليمه تأويل الأحاديث وإتمام نعمته عليه، ومن هناك تبتدئ التربية الإلهية له لأن الذي بشر به في رؤياه لا يزال نصب عينيه في الحياة لا يتحول من حال إلى حال، ولا ينتقل من شأن إلى شأن، ولا يواجه نائبة، ولا يلقى مصيبة، إلا وهو ذاكر لها مستظهر بعناية الله سبحانه عليها موطن نفسه على الصبر عليها. وهذه هي الحكمة في أن الله سبحانه يخص أولياءه بالبشرى بجمل ما سيكرمهم به من مقام القرب ومنزلة الزلفى كما في قولهألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون } - يونس 62 إلى أن قال -لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة } يونس 64. قوله تعالى { يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيداً إن الشيطان للإنسان عدوٌّ مبين } ذكر في المفردات إن الكيد ضرب من الاحتيال، وقد يكون مذموماً وممدوحاً وإن كان يستعمل في المذموم اكثر وكذلك الاستدراج والمكر.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7