الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ ٱلآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّىٰ حِينٍ } * { وَدَخَلَ مَعَهُ ٱلسِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَآ إِنِّيۤ أَرَانِيۤ أَعْصِرُ خَمْراً وَقَالَ ٱلآخَرُ إِنِّي أَرَانِيۤ أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ ٱلطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ ٱلْمُحْسِنِينَ } * { قَالَ لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَن يَأْتِيكُمَا ذٰلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّيۤ إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَهُمْ بِٱلآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ } * { وَٱتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَآئِـيۤ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَآ أَن نُّشْرِكَ بِٱللَّهِ مِن شَيْءٍ ذٰلِكَ مِن فَضْلِ ٱللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى ٱلنَّاسِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ } * { يٰصَاحِبَيِ ٱلسِّجْنِ ءَأَرْبَابٌ مُّتَّفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ ٱللَّهُ ٱلْوَاحِدُ ٱلْقَهَّارُ } * { مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَآءً سَمَّيْتُمُوهَآ أَنتُمْ وَآبَآؤُكُمْ مَّآ أَنزَلَ ٱللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِنِ ٱلْحُكْمُ إِلاَّ للَّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلْقَيِّمُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } * { يٰصَاحِبَيِ ٱلسِّجْنِ أَمَّآ أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً وَأَمَّا ٱلآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ ٱلطَّيْرُ مِن رَّأْسِهِ قُضِيَ ٱلأَمْرُ ٱلَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ } * { وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِّنْهُمَا ٱذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ ٱلشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي ٱلسِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ }

بيان تتضمن الآيات شطراً من قصته عليه السلام وهو دخوله السجن ومكثه فيه بضع سنين وهو مقدمة تقربه التام عند الملك ونيله عزة مصر، وفيه دعوته في السجن إلى دين التوحيد، وقد جاء ببيان عجيب، وإظهاره لأول مرة أنه من أُسرة إبراهيم وإسحاق ويعقوب. قوله تعالى { ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه حتى حين } البداء هو ظهور رأى بعد ما لم يكن يقال؟ بدا لي في أمر كذا أي ظهر لي فيه رأى جديد، والضمير في قوله { لهم } إلى العزيز وامرأته ومن يتلوهما من أهل الاختصاص وأعوان الملك والعزة. والمراد بالآيات الشواهد والأدلة الدالة على براءة يوسف عليه السلام وطهارة ذيله مما اتهموه به كشهادة الصبى وقدّ القميص من خلفه واستباقهما الباب معاً، ولعل منها تقطيع النسوة أيديهن برؤيته واستعصامه عن مراودتهن إياه عن نفسه واعتراف امراة العزيز لهن أنها راودته عن نفسه فاستعصم. وقوله { ليسجننه } اللام فيه للقسم أي أقسموا وعزموا ليسجننه البتة، وهو تفسير للرأى الذي بدا لهم، ويتعلق به قوله { حتى حين } ولا يخلو من معنى الانتظار بالنظر إلى قطع حين عن الإِضافة والمعنى على هذا ليسجننه حتى ينقطع حديث المراودة الشائع في المدينة وينساه الناس. ومعنى الآية ثم ظهر للعزيز ومن يتلوه من امرأته وسائر مشاوريه رأي جديد في يوسف من بعد ما رأوا هذه الآيات الدالة على براءته وعصمته وهو أن يسجنوه حيناً من الزمان حتى ينسى حديث المراودة الذي يجلب لهم العار والشين وأقسموا على ذلك. ويظهر بذلك أنهم إنما عزموا على ذلك لمصلحة بيت العزيز وصوناً لأُسرته عن هوأن التهمة والعار، ولعل من غرضهم أن يتحفظوا على أمن المدينة العام ولا يخلوا الناس وخاصة النساء أن يفتتنوا به فإن هذا الحسن الذي أو له امرأة العزيز والسيدات من شرفاء المدينة وفعل بهم ما فعل من طبعه أن لا يلبث دون أن يقيم في المدينة بلوى. لكن الذي يظهر من قوله في السجن لرسول الملك { إرجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن } إلى آخر ما قال، ثم قول الملك لهن ما خطبكن إذ راودتن يوسف عن نفسه، وقولهن حاش لله ما علمنا عليه من سوء ثم قول امرأة العزيز الآن حصحص الحق أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين، كل ذلك يدل على أن المراة ألبست الأمر بعد على زوجها وأرابته في براءة يوسف عليه السلام فاعتقد خلاف ما دلت عليه الآيات أو شك في ذلك، ولم يكن ذلك إلا عن سلطة تامة منها عليه وتمكن كامل من قلبه ورأيه. وعلى هذا فقد كان سجنه بتوسل أو بأمر منها لتدفع بذلك تهمة الناس عن نفسها وتؤدب يوسف لعله ينقاد لها ويرجع إلى طاعتها فيما كانت تأمره به كما هددته به بمحضر من النسوة بقولها { ولئن لم يفعل ما آمره ليسجنن وليكونن من الصاغرين }.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد