الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذٰلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ } * { وَرَاوَدَتْهُ ٱلَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ ٱلأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ ٱللَّهِ إِنَّهُ رَبِّيۤ أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلظَّالِمُونَ } * { وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلاۤ أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ ٱلسُّوۤءَ وَٱلْفَحْشَآءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا ٱلْمُخْلَصِينَ } * { وَٱسْتَبَقَا ٱلْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى ٱلْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَآءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوۤءًا إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَآ إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكَاذِبِينَ } * { وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِن الصَّادِقِينَ } * { فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ } * { يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَـٰذَا وَٱسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ ٱلْخَاطِئِينَ } * { وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي ٱلْمَدِينَةِ ٱمْرَأَةُ ٱلْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبّاً إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } * { فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَئاً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّيناً وَقَالَتِ ٱخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَـٰذَا بَشَراً إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ } * { قَالَتْ فَذٰلِكُنَّ ٱلَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَٱسَتَعْصَمَ وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَآ آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِّن ٱلصَّاغِرِينَ } * { قَالَ رَبِّ ٱلسِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِيۤ إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ ٱلْجَاهِلِينَ } * { فَٱسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ }

بيان تتضمن الآيات قصته عليه السلام أيام لبثه في بيت العزيز وقد ابتلي فيها بحب امرأة العزيز له ومراودتها اياه عن نفسه، ومني بتعلق نساء المدينة به ومراودتهن إياه عن نفسه، وكان ذلك بلوى، وقد ظهر خلال ذلك من عفة نفسه وطهارة ذيله أمر عجيب، ومن تولهه في محبة ربه ما هو أعجب. قوله تعالى { ولما بلغ أشده آتيناه حكماً وعلماً وكذلك نجزي المحسنين } بلوغ الأشد أن يعمر الإِنسان ما تشتد به قوى بدنه وتتقوى به أركانه بذهاب آثار الصباوة، ويأخذ ذلك من ثمانية عشر من عمره إلى سن الكهولة التي عندها يكمل العقل ويتم الرشد. والظاهر أن المراد به الانتهاء إلى أول سن الشباب دون التوسط فيه أو الانتهاء إلى آخره كالأربعين، والدليل عليه قوله تعالى في موسى عليه السلامولما بلغ أشده واستوى آتيناه حكماً وعلماً } القصص 14 حيث دل على التوسط فيه بقوله { استوى } ، وقولهحتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك } الأحقاف 15 الآية فلو كان بلوغ الأشد هو بلوغ الأربعين لم تكن حاجة إلى تكرار قوله { بلغ }. فلا مجال لما ذكره بعضهم إن المراد ببلوغ الأشد بلوغ الثلاثين أو الثلاث والثلاثين، وكذا ما قاله آخرون إن المراد به بلوغ الأربعين وهو سن الأربعين. على أن من المضحك أن تصبر امرأة العزيز عن يوسف مدى عنفوان شبابه وريعان عمره حتى إذا بلغ الأربعين من عمره وأشرف على الشيخوخة تعلقت به وراودته عن نفسه. وقوله { آتيناه حكماً } الحكم هو القول الفصل وإزالة الشك والريب من الأمور القابلة للاختلاف - على ما يتحصل من اللغة - ولازمه إصابة النظر في عامة المعارف الإِنسانية الراجعة إلى المبدأ والمعاد والأخلاق النفسانية والشرائع والآداب المرتبطة بالمجتمع البشري. وبالنظر إلى قوله عليه السلام لصاحبيه في السجن { إن الحكم إلا لله } الآية 40 من السورة، وقوله بعد { قضي الأمر الذي فيه تستفتيان } الآية 41 من السورة يعلم أن هذا الحكم الذي أُوتيه كان هو حكم الله فكان حكمه حكم الله، وهذا هو الذي سأله إبراهيم عليه السلام من ربه إذ قالرب هب لي حكماً وألحقني بالصالحين } الشعراء 83. وقوله { وعلماً } وهذا العلم المذكور المنسوب إلى إيتائه تعالى كيفما كان وأي مقدار كان علم لا يخالطه جهل كما أن الحكم المذكور معه حكم لا يخالطه هوى نفساني ولا تسويل شيطاني كيف؟ والذي آتاهما هو الله سبحانه وقد قال تعالى { والله غالب على أمره } الآية 21 من السورة، وقالإن الله بالغ أمره } الطلاق 3 فما آتاه من الحكم لا يخالطه تزلزل الريب والشك، وما يؤتيه من العلم لا يكون جهلاً البتة.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد