الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ } * { مَلِكِ ٱلنَّاسِ } * { إِلَـٰهِ ٱلنَّاسِ } * { مِن شَرِّ ٱلْوَسْوَاسِ ٱلْخَنَّاسِ } * { ٱلَّذِى يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ ٱلنَّاسِ } * { مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ }

بيان أمر للنبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يعوذ من شر الوسواس الخناس والسورة مدنية كسابقتها على ما يستفاد مما ورد في سبب نزولها بل المستفاد من الروايات أن السورتين نزلتا معاً. قوله تعالى { قل أعوذ برب الناس ملك الناس إله الناس } من طبع الإِنسان إذا أقبل عليه شر يحذره ويخافه على نفسه وأحس من نفسه الضعف أن يلتجئ بمن يقوى على دفعه ويكفيه وقوعه والذي يراه صالحاً للعوذ والاعتصام به أحد ثلاثة إما رب يلي أمره ويدبره ويربيه يرجع إليه في حوائجه عامة، ومما يحتاج إليه في بقائه دفع ما يهدده من الشر، هذا سبب تام في نفسه، وإما ذو قوة وسلطان بالغة قدرته نافذ حكمه يجيره إذا استجاره فيدفع عنه الشر بسلطته كملك من الملوك، وهذا أيضاً سبب تام مستقل في نفسه. وهناك سبب ثالث وهو الإِله المعبود فإن لازم معبودية الإِله وخاصة إذا كان واحداً لا شريك له إخلاص العبد نفسه له فلا يدعو إلا إياه ولا يرجع في شيء من حوائجه إلا إليه فلا يريد إلا ما أراده ولا يعمل إلا ما يشاؤه. والله سبحانه رب الناس وملك الناس وإله الناس كما جمع الصفاة الثلاث لنفسه في قولهذلٰكم الله ربكم له الملك لا إله إلا هو فأنى تصرفون } الزمر 6 وأشار تعالى إلى سببية ربوبيته وألوهيته بقولهرب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلاً } المزمل 9، وإلى سببية ملكه بقولهله ملك السماوات والأرض وإلى الله ترجع الأمور } الحديد 5 فإن عاذ الإِنسان من شر يهدده إلى رب فالله سبحانه هو الرب لا رب سواه وإن أراد بعوذه ملكاً فالله سبحانه هوله الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير } التغابن 1 وإن أراد لذلك إلهاً فهو الإِله لا إله غيره. فقوله تعالى { قل أعوذ برب الناس } الخ أمر لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم أن يعوذ به لأنه من الناس وهو تعالى رب الناس ملك الناس إله الناس. ومما تقدم ظهر أولاً وجه تخصيص الصفات الثلاث الرب والملك والإِله من بين سائر صفاته الكريمة بالذكر وكذا وجه ما بينها من الترتيب فذكر الرب أولاً لأنه أقرب من الإِنسان وأخص ولاية ثم الملك لأنه أبعد منالاً وأعم ولاية يقصده من لا ولي له يخصه ويكفيه ثم الإِله لأنه ولي يقصده الإِنسان عن إخلاصه لا عن طبعه المادي. وثانياً وجه عدم وصل قوله { ملك الناس إله الناس } بالعطف وذلك للإِشارة إلى كون كل من الصفات سبباً مستقلاً في دفع الشر فهو تعالى سبب مستقل لكونه رباً لكونه ملكاً لكونه إلهاً فله السببية بأي معنى أُريد السبب وقد مر نظير الوجه في قوله { الله أحد الله الصمد }.

السابقالتالي
2