الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ } * { وَرَأَيْتَ ٱلنَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ ٱللَّهِ أَفْوَاجاً } * { فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَٱسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً }

بيان وعد له صلى الله عليه وآله وسلم بالنصر والفتح وأنه سيرى الناس يدخلون في الإِسلام فوجاً بعد فوج وأمره بالتسبيح حينئذ والتحميد والاستغفار، والسورة مدنية نزلت بعد صلح الحديبية وقبل فتح مكة على ما سنستظهر. قوله تعالى { إذا جاء نصر الله والفتح } ظهور { إذا } المصدَّرة بها الآية في الاستقبال يستدعي أن يكون مضمون الآية إخباراً بتحقق أمر لم يتحقق بعد، وإذا كان المخبر به هو النصر والفتح وذلك مما تقر به عين النبي صلى الله عليه وآله وسلم فهو وعد جميل وبشرى له صلى الله عليه وآله وسلم ويكون من ملاحم القرآن الكريم. وليس المراد بالنصر والفتح جنسهما حتى يصدقا على جميع المواقف التي أيد الله فيها نبيه صلى الله عليه وآله وسلم على أعدائه وأظهر دينه على دينهم كما في حروبه ومغازيه وإيمان الأنصار وأهل اليمن كما قيل إذ لا يلائمه قوله بعد { ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً }. وليس المراد بذلك أيضاً صلح الحديبية الذي سمَّاه الله تعالى فتحاً إذ قالإنا فتحنا لك فتحاً مبيناً } الفتح 1 - لعدم انطباق الآية الثانية بمضمونها عليه. وأوضح ما يقبل الانطباق عليه النصر والفتح المذكوران في الآية هو فتح مكة الذي هو أُم فتوحاته صلى الله عليه وآله وسلم في زمن حياته والنصر الباهر الذي انهدم به بنيان الشرك في جزيرة العرب. ويؤيده وعد النصر الذي في الآيات النازلة في الحديبيةإنا فتحنا لك فتحاً مبيناً ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطاً مستقيماً وينصرك الله نصراً عزيزاً } الفتح 2-3 فإن من القريب جداً أن يكون ما في الآيات وعداً بنصر عزيز يرتبط بفتح الحديبية وهو نصره تعالى نبيه صلى الله عليه وآله وسلم على قريش حتى فتح مكة بعد مضي سنتين من فتح الحديبية. وهذا الذي ذكر أقرب من حمل الآية على إجابة أهل اليمن الدعوة الحقة ودخولهم في الإِسلام من غير قتال، فالأقرب إلى الاعتبار كون المراد بالنصر والفتح نصره تعالى نبيه صلى الله عليه وآله وسلم على قريش وفتح مكة، وأن تكون السورة نازلة بعد صلح الحديبية ونزول سورة الفتح وقبل فتح مكة. قوله تعالى { ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً } قال الراغب الفوج الجماعة المارة المسرعة، وجمعه أفواج. انتهى. فمعنى دخول الناس في دين الله أفواجاً دخولهم فيه جماعة بعد جماعة، والمراد بدين الله الإِسلام قال تعالىإن الدين عند الله الإِسلام } آل عمران 19. قوله تعالى { فسبّح بحمد ربك واستغفره إنه كان توّاباً } لما كان هذا النصر والفتح إذلالاً منه تعالى للشرك وإعزازاً للتوحيد وبعبارة أُخرى إبطالاً للباطل وإحقاقاً للحق ناسب من الجهة الأُولى تنزيهه تعالى وتسبيحه، وناسب من الجهة الثانية - التي هي نعمة - الثناء عليه تعالى وحمده فلذلك أمره صلى الله عليه وآله وسلم بقوله { فسبّح بحمد ربك }.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7