الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَمَّا جَآءَتْ رُسُلُنَا لُوطاً سِيۤءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقَالَ هَـٰذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ } * { وَجَآءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِن قَبْلُ كَانُواْ يَعْمَلُونَ ٱلسَّيِّئَاتِ قَالَ يٰقَوْمِ هَـٰؤُلاۤءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُواْ اللًّهَ وَلاَ تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ } * { قَالُواْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ } * { قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِيۤ إِلَىٰ رُكْنٍ شَدِيدٍ } * { قَالُواْ يٰلُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُوۤاْ إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ ٱلْلَّيْلِ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ ٱمْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَآ أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ ٱلصُّبْحُ أَلَيْسَ ٱلصُّبْحُ بِقَرِيبٍ } * { فَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنْضُودٍ } * { مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ ٱلظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ }

بيان الآيات تذكر عذاب قوم لوط، وهي من وجه تتمة الآيات السابقة التي قصّت نزول الملائكة ودخولهم على إبراهيم عليه السلام وتبشيره بإسحاق فإنما كانت كالتوطئة لقصة عذاب قوم لوط. قوله تعالى { ولما جاءت رسلنا لوطاً سيء بهم وضاق بهم ذرعاً وقال هذا يوم عصيب } يقال ساءه الأمر مساءة أي أوقع عليه السوء، وسيء بالأمر بالبناء للمجهول أي أُوقع عليه من ناحيته وبسببه. والذرع مقايسة الأطوال مأخوذ من الذراع العضو المعروف لأنهم كانوا يقيسون بها، ويطلق على نفس المقياس أيضاً، ويقال ضاق بالأمر ذرعاً وهو كناية عن انسداد طريق الحيلة والعجز عن الاهتداء إلى مخلص ينجو به الإِنسان من النائبة كالذي يذرع ما لا ينطبق عليه ذرعه. والعصيب فعيل بمعنى المفعول من العصب بمعنى الشدّ واليوم العصيب هو اليوم الذي شدّ بالبلاء شداً لا يقبل الانحلال ولا بعض أجزائه ينفكّ عن بعض. والمعنى لما جاءت رسلنا لوطاً وهم الملائكة النازلون بإبراهيم عليه السلام ساء مجيئهم لوطاً، وعجز عن الاحتيال لنجاتهم من شر القوم فإنهم دخلوا عليه في صوَر غلمان مرد صبيحي المنظر وكان قومه ذوي حرص شديد على إتيان الفحشاء ما كان من المترقب أن يعرضوا عنهم ويتركوهم على حالهم، ولذلك لم يملك لوط نفسه دون أن قال { هذا يوم عصيب } أي شديد ملتفّ بعض شره ببعض. قوله تعالى { وجاءه قومه يهرعون إليه ومن قبل كانوا يعملون السيئات } قال الراغب يقال هرع وأهرع ساقه سوقاً بعنف وتخويف، انتهى. وعن كتاب العين الإِهراع السوق الحثيث، انتهى. وقوله { ومن قبل كانوا يعملون السيئات } أي ومن قبل ذلك كانوا يقترفون المعاصي ويأتون بالمنكرات فكانوا مجترئين على إيقاع الفحشاء معتادين بذلك لا ينصرفون عنه بصارف، ولا يحجبهم عن ذلك استحياء أو استشناع، ولا ينزجرون بموعظة أو ملامة أو مذمة لأن العادة تسهّل كل صعب وتزيّن كل قبيح ووقيح. والجملة كالمعترضة بين قوله { وجاءه قومه يهرعون إليه } وقوله { قال يا قوم هؤلاء بناتي } الخ، وهي نافعة في مضمون طرفيها أما فيما قبلها فإنها توضح أن الذي كان يهرعهم ويسوقهم إلى لوط عليه السلام هو أنهم كانوا يعملون السيئات وصاروا بذلك معتادين على إتيان الفحشاء ولعين به فساقهم ذلك إلى المجيء إليه وقصد السوء بأضيافه. وأما فيما بعدها فإنها تفيد أنهم لرسوخ الملكة واستقرار العادة سلبوا سمع القبول وأن يزجرهم زاجر من عظة أو نصيحة، ولذلك بدأ لوط في تكليمهم بعرض بناته عليهم ثم قال لهم { اتقوا الله ولا تخزون في ضيفي } الخ. قوله تعالى { قال يا قوم هؤلاء بناتي هنّ أطهر لكم } إلى آخر الآية، لما رآهم تجمّعوا على الشر لا يصرفهم عن ذلك مجرد القول بعظة أو إغلاظ في الكلام أراد أن يصرفهم عنه بتبديل ما يريدون من الفحشاء مما لا معصية فيه من الحلال فعرض بناته عليهم ورجَّحه لهم بأنهنّ أطهر لهم.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد