الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يٰقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُمْ مِّنَ ٱلأَرْضِ وَٱسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَٱسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوۤاْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ } * { قَالُواْ يٰصَالِحُ قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوّاً قَبْلَ هَـٰذَا أَتَنْهَانَآ أَن نَّعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَآ إِلَيْهِ مُرِيبٍ } * { قَالَ يٰقَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةً مِّن رَّبِّي وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَن يَنصُرُنِي مِنَ ٱللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ } * { وَيٰقَوْمِ هَـٰذِهِ نَاقَةُ ٱللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِيۤ أَرْضِ ٱللَّهِ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوۤءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ } * { فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُواْ فِي دَارِكُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ ذٰلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ } * { فَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحاً وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ ٱلْقَوِيُّ ٱلْعَزِيزُ } * { وَأَخَذَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ ٱلصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ } * { كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَآ أَلاَ إِنَّ ثَمُودَ كَفرُواْ رَبَّهُمْ أَلاَ بُعْداً لِّثَمُودَ }

بيان تذكر الآيات الكريمة قصة صالح النبي عليه السلام وقومه وهم ثمود، وهو عليه السلام ثالث الأنبياء القائمين بدعوة التوحيد الناهضين على الوثنية. دعا ثمود إلى التوحيد وتحمّل الأذى والمحنة في جنب الله حتى قضى بينه وبين قومه بهلاكهم ونجاته ونجاة من معه من المؤمنين. قوله تعالى { وإلى ثمود أخاهم صالحاً قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره } تقدم الكلام في نظيرة الآية في قصة هود. قوله تعالى { هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها } إلى آخر الآية. قال الراغب الإِنشاء إيجاد الشيء وتربيته وأكثر ما يقال ذلك في الحيوان قال { هو الذي أنشأكم وجعل لكم السمع والأبصار }. انتهى، وقال العمارة ضد الخراب يقال عمر أرضه يعمرها عمارة قال { وعمارة المسجد الحرام } يقال عمرته فعمر فهو معمور قال { وعمروها أكثر مما عمروها } { والبيت المعمور } وأعمرته الأرض واستعمرته إذا فوَّضت إليه العمارة قال { واستعمركم فيها } انتهى، فالعمارة تحويل الأرض إلى حال تصلح بها أن ينتفع من فوائدها المترقّبة منها كعمارة الدار للسكنى والمسجد للعبادة والزرع للحرث والحديقة لاجتناء فاكهتها والتنزه فيها والاستعمار هو طلب العمارة بأن يطلب من الإِنسان أن يجعل الأرض عامرة تصلح لأن ينتفع بما يطلب من فوائدها. وعلى ما مرّ يكون معنى قوله { هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها } - والكلام يفيد الحصر - أنه تعالى هو الذي أوجد على الموادّ الأرضية هذه الحقيقة المسماة بالإِنسان ثم كمّلها بالتربية شيئاً فشيئاً وأفطره على أن يتصرف في الأرض بتحويلها إلى حال ينتفع بها في حياته، ويرفع بها ما يتنبّه له من الحاجة والنقيصة أي إنكم لا تفتقرون في وجودكم وبقائكم إلا إليه تعالى وتقدّس. فقول صالح { هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها } في مقام التعليل وحجة يستدل بها على ما ألقاه إليهم من الدعوة بقوله { يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره } ولذلك جيء بالفصل كأنه قيل له لم نعبده وحده؟ فقال لأنه هو الذي أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها. وذلك لأنهم إنما كانوا يعبدون الأوثان ويتخذونها شركاء لله تعالى لأنهم كانوا يقولون - على مزعمتهم - إن الله سبحانه أعظم من أن يحيط به فهم وأرفع وأبعد من أن تناله عبادة أو ترتفع إليه مسألة، ولا بدّ للإِنسان من ذلك فمن الواجب أن نعبد بعض مخلوقاته الشريفة التي فوّض إليه أمر هذا العالم الأرضي وتدبير النظام الجاري فيه ونتقرّب بالتضرُّع إليه حتى يرضى عنا فينزل علينا الخيرات، ولا يسخط علينا ونأمن بذلك الشرور، وهذا الإِله الرب بالحقيقة شفيعنا عند الله لأنه إله الآلهة ورب الأرباب، وإليه يرجع الأمر كله.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7