الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ الۤر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ } * { أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ ٱللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِّنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ } * { وَأَنِ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوۤاْ إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَّتَاعاً حَسَناً إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنِّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ } * { إِلَى ٱللَّهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }

بيان السورة كما يظهر من مفتتحها ومختتمها والسياق الذي يجري عليه آياتها تبيّن غرض الآيات القرآنية على كثرتها وتشتتها، وتصف المحصّل من مقاصدها على اختلافها والملخّص من مضامينها. فتذكر أنها على احتوائها معارف الدين المختلفة من أُصول المعارف الإِلهية والأخلاق الكريمة الإِنسانية، والأحكام الشرعية الراجعة إلى كلّيات العبادات والمعاملات والسياسات والولايات ثم وصف عامة الخليقة كالعرش والكرسي واللوح والقلم والسماء والأرض والملائكة والجن والشياطين والنبات والحيوان والإِنسان، ووصف بدء الخليقة وما ستعود إليه من الفناء والرجوع إلى الله سبحانه. وهو يوم البعث بما يتقدمه من عالم القبر وهو البرزخ ثم القيام لرب العالمين والحشر والجمع والسؤال والحساب والوزن وشهادة الأشهاد ثم فصل القضاء ثم الجنة أو النار بما فيهما من الدرجات والدركات. ثم وصف الرابطة التي بين خلقة الإِنسان وبين عمله، وما بين عمله وما يستتبعه من سعادة أو شقاوة ونعمة أو نقمة ودرجة أو دركة، وما يتعلق بذلك من الوعد والوعيد والإِنذار والتبشير بالموعظة والمجادلة الحسنة والحكمة. فالآيات القرآنية على احتوائها تفاصيل هذه المعارف الإِلهية والحقائق الحقة تعتمد على حقيقة واحدة هي الأصل وتلك فروعه، وهي الأساس الذي بني عليه بنيان الدين وهو توحيده تعالى توحيد الإِسلام بأن يعتقد أنه تعالى هو رب كل شيء لا رب غيره ويسلم له من كل وجهة فيوفي له حق ربوبيته، ولا يخشع في قلب ولا يخضع في عمل إلا له جلّ أمره. وهذا أصل يرجع إليه على إجماله جميع تفاصيل المعاني القرآنية من معارفها وشرائعها بالتحليل، وهو يعود إليها على ما بها من التفصيل بالتركيب. فالسورة تبين ذلك بنحو الإِجمال في هذه الآيات الأربع التي افتتحت بها ثم تأخذ في بيانه التفصيلي بسمة الإِنذار والتبشير بذكر ما لله من السنّة الجارية في عباده، وإيراد أخبار الأُمم الماضية، وقصص أقوام نوح وهود وصالح ولوط وشعيب وموسى عليهم السلام، وما ساقهم إليه الاستكبار عن إجابة الدعوة الإِلهية والإِفساد في الأرض والإِسراف في الأمر، ووصف ما وعد الله به الذين آمنوا وعملوا الصالحات وما أوعد الله به الذين كفروا وكذبوا بالآيات، وتبين في خلال ذلك أُموراً من المعارف الإِلهية الراجعة إلى التوحيد والنبوة والمعاد. ومما تقدم يظهر ما في قول بعضهم عندما ذكر غرض هذه السورة أنها في معنى سورة يونس وموضوعها، وهو أُصول عقائد الإِسلام في الإِلهيات والنبوات والبعث والجزاء وعمل الصالحات، وقد فصل فيها ما أجمل في سورة يونس من قصص الرسل عليهم السلام. انتهى. وقد عرفت أن السورتين مسوقتان لغرضين مختلفين لا يرجع أحدهما إلى الآخر البتة فسورة يونس تبين أن السنّة الإِلهية جارية على القضاء بين الرسل وبين أُممهم المكذّبين لهم، ثم توعد هذه الأُمة بما جرى مثله على الذين من قبلهم، وسورة هود تبين أن المعارف القرآنية ترجع بالتحليل إلى التوحيد الخالص كما أن التوحيد يعود بحسب التركيب إلى تفاصيل المعارف الأصلية والفرعية.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8