بيان ظاهر الآيات أنها واقعة موقع التطييب لنفس النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتقوية إيمانه بكتاب الله وتأكيد ما عنده من البصيرة في أمره فالكلام جار على ما كان عليه من خطابه صلى الله عليه وآله وسلم فقد كان وجه الكلام إليه حتى انتهى إلى ما اتهموه به من الافتراء على الله سبحانه فأمره أن يتحدى عليهم بإتيان عشر سور مثله مفتريات ثم أمره أن يطيب نفساً ويثبت على ما عنده من العلم بأنه منزل من عند الله فإنما هو على الحق وليس بمفتر فلا يستوحش من إعراض الأكثرين ولا يرتاب. قوله تعالى { أفمن كان على بيّنة من ربّه ويتلوه شاهد منه ومن قبله كتاب موسى إماماً ورحمة } الجملة تفريع على ما مضى من الكلام الذي هو في محل الاحتجاج على كون القرآن كتاباً منزلاً من عند الله سبحانه، و { من } مبتدأ خبره محذوف والتقدير كغيره، أو ما يؤدي معناه، والدليل عليه قوله تلواً { أولئك يؤمنون به ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده }. والاستفهام إنكاري والمعنى ليس من كان كذا وكذا كغيره ممن ليس كذلك وأنت على هذه الصفات فلا تك في مرية من القرآن. وقوله { على بيّنة من ربه } البينة صفة مشبهة معناها الظاهرة الواضحة غير أن الأمور الظاهرة الواضحة ربما أوضحت ما ينضم إليها ويتعلق بها كالنور الذي هو بيّن ظاهر ويظهر به غيره، ولذلك كثر استعمال البينة فيما يتبين به غيره كالحجة والآية، ويقال للشاهد على دعوى المدّعي بينة. وقد سمّى الله تعالى الحجة بيّنة كما في قوله{ ليهلك من هلك عن بيّنة } الأنفال 42 وسمّى آيته بيّنة كما في قوله{ قد جاءتكم بيّنة من ربكم هذه ناقة الله لكم آية } الأعراف 73 وسمّى البصيرة الخاصة الإِلهية التي أُوتيها الأنبياء بيّنة كما في قوله حكاية عن نوح عليه السلام{ يا قوم أرأيتم إن كنت على بيّنة من ربي وآتاني رحمة من عنده } هود 28 أو مطلق البصيرة الإِلهية كما هو ظاهر قوله تعالى{ أفمن كان على بينة من ربه كمن زيّن له سوء عمله واتّبعوا أهواءهم } محمد 14 وقد قال تعالى في معناه{ أومن كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها } الأنعام 122. والظاهر أن المراد بالبينة في المقام هو هذا المعنى الأخير العام بقرينة قوله بعد { أولئك يؤمنون به } وإن كان المراد به بحسب المورد هو النبي صلى الله عليه وآله وسلم فإن الكلام مسوق ليتفرَّع عليه قوله { فلا تك في مرية منه }. فالمراد بها البصيرة الإِلهية التي أوتيها النبي عليه السلام لا نفس القرآن النازل عليه فإنه لا يحسن ظاهراً أن يتفرع عليه قوله { فلا تك في مرية منه } وهو ظاهر ولا ينافيه كون القرآن في نفسه بيّنة من الله من جهة كونه آية منه تعالى كما في قوله