الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ ذَلِكَ مِنْ أَنْبَآءِ ٱلْقُرَىٰ نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَآئِمٌ وَحَصِيدٌ } * { وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَـٰكِن ظَلَمُوۤاْ أَنفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ ٱلَّتِي يَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مِن شَيْءٍ لَّمَّا جَآءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ } * { وَكَذٰلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ ٱلْقُرَىٰ وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ } * { إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَةً لِّمَنْ خَافَ عَذَابَ ٱلآخِرَةِ ذٰلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ ٱلنَّاسُ وَذَٰلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ } * { وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلاَّ لأَجَلٍ مَّعْدُودٍ } * { يَوْمَ يَأْتِ لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ } * { فَأَمَّا ٱلَّذِينَ شَقُواْ فَفِي ٱلنَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ } * { خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلأَرْضُ إِلاَّ مَا شَآءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ } * { وَأَمَّا ٱلَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي ٱلْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلأَرْضُ إِلاَّ مَا شَآءَ رَبُّكَ عَطَآءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ }

بيان فيها رجوع إلى القصص السابقة بنظر كلِّيًّ يلخّصُ سنة الله في عباده وما يستتبعه الشرك في الأمم الظالمة من الهلاك في الدنيا والعذاب الخالد في الآخرة ليعتبر بذلك أهل الاعتبار. قوله تعالى { ذلك من أنباء القرى نقصّه عليك منها قائم وحصيد } الإِشارة إلى ما تقدم من القصص، ومن تبعيضيَّة أي الذي قصصناه عليك هو بعض أخبار المدائن والبلاد أو أهلهم نقصه عليك. وقوله { منها قائم وحصيد } الحصد قطع الزرع، شبَّهها بالزرع يكون قائماً ويكون حصيداً، والمعنى إن كان المراد بالقرى نفسها أنّ من القرى التي قصصنا أنباءها عليك ما هو قائم لم تذهب بقايا آثارها التي تدلّ عليها بالمرّة كقرى قوم لوط حين نزول قصَّتهم في القرآن كما قالولقد تركنا منها آية بيِّنة لقوم يعقلون } العنكبوت 35 وقالوإنّكم لتمرّون عليهم مصبحين وبالليل أفلا تعقلون } الصافات 137-138، ومنها ما انمحت آثاره وانطمست أعلامه كقرى قوم نوح وعاد. وإن كان المراد بالقرى أهلها فالمعنى أنّ من تلك الأُمم والأجيال من هو قائم لم يقطع دابرهم البتَّة كأٌمة نوح وصالح، ومنهم من قطع الله دابرهم كقوم لوط لم ينج منهم إلا أهل بيت لوط ولم يكن لوط منهم. قوله تعالى { وما ظلمناهم ولكن ظلموا أنفسهم } إلى آخر الآية، أي ما ظلمناهم في إنزال العذاب عليهم وإهلاكهم إثر شركهم وفسوقهم ولكن ظلموا أنفسهم حين أشركوا وخرجوا عن زيّ العبوديَّة، وكلما كان عمل وعقوبة عليه كان أحدهما ظلماً إمّا العمل وإما العقوبة عليه فإذا لم تكن العقوبة ظلماً كان الظلم هو العمل استتبع العقوبة. فمحصَّل القول أنّا عاقبناهم بظلمهم ولذا عقبه بقوله { فما أغنت عنهم آلهتهم } الخ.. لأنّ محصَّل النظم أخذناهم فما أغنت عنهم آلهتهم، فالمفرّع عليه هو الذي يدل عليه قوله { وما ظلمناهم } الخ، والمعنى أخذناهم فلم يكفهم في ذلك آلهتهم التي كانوا يدعونها من دون الله لتجلب إليهم الخير وتدفع عنهم الشرّ، ولم تغنهم شيئاً لما جاء أمر ربّك وحكمه بأخذهم أو لمّا جاء عذاب ربّك. وقوله { وما زادوهم غير تتبيب } التتبيب التدمير والإِهلاك من التبّ وأصله القطع لأن عبادتهم الأصنام كان ذنباً مقتضياً لعذابهم ولمّا أحسُّوا بالعذاب والبؤس فالتجأوا إلى الأصنام ودعوها لكشفه ودعاؤها ذنب آخر زاد ذلك في تشديد العذاب عليهم وتغليظ العقاب لهم فما زادوهم غير هلاك. ونسبة التتبيب إلى آلهتهم مجاز وهو منسوب في الحقيقة إلى دعائهم إيّاها، وهو عمل قائم بالحقيقة بالداعي لا بالمدعوّ. قوله تعالى { وكذلك أخذ ربِّك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إنّ أخذه أليم شديد } الإِشارة إلى ما تقدم من أنباء القرى، وذلك بعض مصاديق أخذه تعالى بالعقوبة قاس به مطلق أخذه القرى في أنّه أليم شديد، وهذا من قبيل التشبيه الكلي ببعض مصاديقه في الحكم للدلالة على أن الحكم عام شامل لجميع الأفراد وهو نوع من فنّ التشبيه شائع وقوله { إنّ أخذه أليم شديد } بيان لوجه الشبه وهو الألم والشدّة.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد