الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلْكَافِرُونَ } * { لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ } * { وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ } * { وَلاَ أَنَآ عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ } * { وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ } * { لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ }

بيان فيها أمره صلى الله عليه وآله وسلم أن يظهر للكفار براءته من دينهم ويخبرهم بامتناعهم من دينه فلا دينه يتعداه إليهم ولا دينهم يتعداهم إليه فلا يعبد ما يعبدون أبداً ولا يعبدون ما يعبد أبداً فلييأسوا من أي نوع من المداهنة والمساهلة. واختلفوا في كون السورة مكية أو مدنية، والظاهر من سياقها أنها مكية. قوله تعالى { قل يا أيها الكافرون } الظاهر أن هؤلاء قوم معهودون لا كل كافر ويدل على ذلك أمره صلى الله عليه وآله وسلم أن يخاطبهم ببراءته من دينهم وامتناعهم من دينه. قوله تعالى { لا أعبد ما تعبدون } الآية إلى آخر السورة مقول القول، والمراد بما تعبدون الأصنام التي كانوا يعبدونها، ومفعول { يعبدون } ضمير راجع إلى الموصول محذوف لدلالة الكلام عليه ولرعاية الفواصل، وكذا مفاعيل الأفعال التالية { أعبد } و { عبدتم } و { أعبد }. وقوله { لا أعبد } نفي استقبالي فإن { لا } لنفي الاستقبال كما أن { ما } لنفي الحال، والمعنى لا أعبد أبداً ما تعبدونه اليوم من الأصنام. قوله تعالى { ولا أنتم عابدون ما أعبد } نفي استقبالي أيضاً لعبادتهم ما يعبده صلى الله عليه وآله وسلم وهو اخبار عن امتناعهم عن الدخول في دين التوحيد في مستقبل الأمر. وبانضمام الأمر الذي في مفتتح الكلام تفيد الآيتان أن الله سبحانه أمرني بالدوام على عبادته وأن أخبركم أنكم لا تعبدونه أبداً فلا يقع بيني وبينكم اشتراك في الدين أبداً. فالآية في معنى قوله تعالىلقد حق القول على أكثرهم فهم لا يؤمنون } يس 7، وقولهإن الذين كفروا سواء عليهم ءأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون } البقرة 6. وكان من حق الكلام أن يقال ولا أنتم عابدون من أعبد. لكن قيل ما أعبد ليطابق ما في قوله { لا أعبد ما تعبدون }. قوله تعالى { ولا أنا عابد ما عبدتم ولا أنتم عابدون ما أعبد } تكرار لمضمون الجملتين السابقتين لزيادة التأكيد، كقولهكلا سوف تعلمون ثم كلا سوف تعلمون } التكاثر 3-4 وقولهفقتل كيف قدر ثم قتل كيف قدر } المدثر 19-20. وقيل إن { ما } في { ما عبدتم } و { ما أعبد } مصدرية لا موصولة والمعنى ولا أنا عابد عبادتكم ولا أنتم عابدون عبادتي أي لا أشارككم ولا تشاركونني لا في المعبود ولا في العبادة فمعبودي هو الله ومعبودكم الوثن وعبادتي ما شرعه الله لي وعبادتكم ما ابتدعتموه جهلاً وافتراء، وعلى هذا فالآيتان غير مسوقتين للتأكيد، ولا يخلو من بعد وسيأتي في البحث الروائي التالي وجه آخر للتكرار لطيف. قوله تعالى { لكم دينكم ولي دين } تأكيد بحسب المعنى لما تقدم من نفي الاشتراك، واللام للاختصاص أي دينكم وهو عبادة الأصنام يختص بكم ولا يتعداكم إليَّ وديني يختص بي ولا يتعداني إليكم ولا محل لتوهم دلالة الآية على إباحة أخذ كل بما يرتضيه من الدين ولا أنه صلى الله عليه وآله وسلم لا يتعرض لدينهم بعد ذلك فالدعوة الحقة التي يتضمنها القرآن تدفع ذلك أساساً.

السابقالتالي
2