الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ ويْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ } * { ٱلَّذِى جَمَعَ مَالاً وَعَدَّدَهُ } * { يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ } * { كَلاَّ لَيُنبَذَنَّ فِي ٱلْحُطَمَةِ } * { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا ٱلْحُطَمَةُ } * { نَارُ ٱللَّهِ ٱلْمُوقَدَةُ } * { ٱلَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى ٱلأَفْئِدَةِ } * { إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ } * { فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةِ }

بيان وعيد شديد للمغرمين بجمع المال المستعلين به على الناس المستكبرين عليهم فيزرون بهم ويعيبونهم بما ليس بعيب، والسورة مكية. قوله تعالى { ويل لكل همزة لمزة } قال في المجمع الهمزة الكثير الطعن على غيره بغير حق العائب له بما ليس بعيب، وأصل الهمز الكسر. قال واللمز العيب أيضاً والهمزة واللمزة بمعنى، وقد قيل بينهما فرق فإن الهمزة الذي يعيبك بظهر الغيب، واللمزة الذي يعيبك في وجهك. عن الليث. وقيل الهمزة الذي يؤذي جليسه بسوء لفظه، واللمزة الذي يكسر عينه على جليسه ويشير برأسه ويؤمي بعينه. قال وفعلة بناء المبالغة في صفة من يكثر منه الفعل ويصير عادة له تقول رجل نكحة كثير النكاح وضحكة كثير الضحك وكذا هُمزة ولمزة انتهى. فالمعنى ويل لكل عيَّاب مغتاب، وفسّر بمعان أُخر على حسب اختلافهم في تفسير الهمزة واللمزة. قوله تعالى { الذي جمع مالاً وعدَّده يحسب أن ماله أخلده } بيان لهمزة لمزة وتنكير { مالاً } للتحقير فإن المال وإن كثر ما كثر لا يغني عن صاحبه شيئاً غير أن له منه ما يصرفه في حوائج نفسه الطبيعية من أكلة تشبعه وشربة ماء ترويه ونحو ذلك و { عدده } من العد بمعنى الإِحصاء أي إنه لحبه المال وشغفه بجمعه يجمع المال ويعده عداً بعد عد التذاذاً بتكثُّره. وقيل المعنى جعله عدّة وذخراً لنوائب الدهر. وقوله { يحسب أن ماله أخلده } أي يخلده في الدنيا ويدفع عنه الموت والفناء فالماضي أُريد به المستقبل بقرينة قوله { يحسب }. فهذا الإِنسان لإِخلاده إلى الأرض وانغماره في طول الأمل لا يقنع من المال بما يرتفع به حوائج حياته القصيرة وضروريات أيامه المعدودة بل كلما زاد مالاً زاد حرصاً إلى ما لا نهاية له فظاهر حاله أنه يرى أن المال يخلده، ولحبه الغريزي للبقاء يهتم بجمعه وتعديده، ودعاه ما جمعه وعدده من المال وما شاهده من الاستغناء إلى الطغيان والاستعلاء على غيره من الناس كما قال تعالىإن الإِنسان ليطغى أن رآه استغنى } العلق 6-7، ويورثه هذا الاستكبار والتعدي الهمز واللمز. ومن هنا يظهر أن قوله { يحسب أن ماله أخلده } بمنزلة التعليل لقوله { الذي جمع مالاً وعدده } ، وقوله { الذي جمع } الخ بمنزلة التعليل لقوله { ويل لكل همزة لمزة }. قوله تعالى { كلا لينبذنّ في الحطمة } ردع عن حسبانه الخلود بالمال، واللام في { لينبذن } للقسم، والنبذ القذف والطرح، والحطمة مبالغة من الحطم وهو الكسر وجاء بمعنى الأكل، وهي من أسماء جهنم على ما يفسرها قوله الآتي { نار الله الموقدة }. والمعنى ليس مخلداً بالمال كما يحسب أُقسم ليموتنّ ويقذفن في الحطمة. قوله تعالى { وما أدراك ما الحطمة } تفخيم وتهويل. قوله تعالى { نار الله الموقدة التي تطَّلع على الأفئدة } إِيقاد النار إشعالها والاطلاع والطلوع على الشيء الإِشراف والظهور، والأفئدة جمع فؤاد وهو القلب، والمراد به في القرآن مبدأ الشعور والفكر من الانسان وهو النفس الإِنسانية.

السابقالتالي
2