الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلْعَصْرِ } * { إِنَّ ٱلإِنسَانَ لَفِى خُسْرٍ } * { إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْاْ بِٱلْحَقِّ وَتَوَاصَوْاْ بِٱلصَّبْرِ }

بيان تخلص السورة جميع المعارف القرآنية وتجمع شتات مقاصد القرآن في أوجز بيان، وهي تحتمل المكية والمدنية لكنها أشبه بالمكية. قوله تعالى { والعصر } إقسام بالعصر والأنسب لما تتضمنه الآيتان التاليتان من شمول الخسران للعالم الإِنساني إلا لمن اتبع الحق وصبر عليه وهم المؤمنون الصالحون عملاً، أن يكون المراد بالعصر عصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو عصر طلوع الإِسلام على المجتمع البشري وظهور الحق على الباطل. وقيل المراد به وقت العصر وهو الطرف الأخير من النهار لما فيه من الدلالة على التدبير الربوبي بإدبار النهار وإقبال الليل وذهاب سلطان الشمس، وقيل المراد به صلاة العصر وهي الصلاة الوسطى التي هي أفضل الفرائض اليومية، وقيل الليل والنهار ويطلق عليهما العصران، وقيل الدهر لما فيه من عجائب الحوادث الدالة على القدرة الربوبية وغير ذلك. وقد ورد في بعض الروايات أنه عصر ظهور المهدي عليه السلام لما فيه من تمام ظهور الحق على الباطل. قوله تعالى { إن الإِنسان لفي خسر } المراد بالإِنسان جنسه، والخسر والخسران والخسار والخسارة نقص رأس المال قال الراغب وينسب ذلك إلى الانسان فيقال خسر فلان وإلى الفعل فيقال خسرت تجارته، انتهى. والتنكير في { خسر } للتعظيم ويحتمل التنويع أي في نوع من الخسر غير الخسارات المالية والجاهية قال تعالىالذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ألا ذلك هو الخسران المبين } الزمر 15. قوله تعالى { إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات } استثناء من جنس الانسان الواقع في الخسر، والمستثنون هم الأفراد المتلبسون بالإِيمان والأعمال الصالحة فهم آمنون من الخسر. وذلك أن كتاب الله يبيِّن أن للإِنسان حياة خالدة مؤبَّدة لا تنقطع بالموت وإنما الموت انتقال من دار إلى دار كما تقدم في تفسير قوله تعالىعلى أن نبدل أمثالكم وننشئكم فيما لا تعلمون } الواقعة 61، ويبين أن شطراً من هذه الحياة وهي الحياة الدنيا حياة امتحانية تتعين بها صفة الشطر الأخير الذي هو الحياة الآخرة المؤبدة من سعادة وشقاء قال تعالىوما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع } الرعد 26، وقالكل نفس ذائقة الموت ونبلوكم بالشر والخير فتنة } الأنبياء 35. ويبين أن مقدميَّة هذه الحياة لتلك الحياة إنما هي بمظاهرها من الاعتقاد والعمل فالاعتقاد الحق والعمل الصالح ملاك السعادة الاخروية والكفر والفسوق ملاك الشقاء فيها قال تعالىوأن ليس للإنسان إلا ما سعى وأن سعيه سوف يرى ثم يجزاه الجزاء الأوفى } النجم 39-41، وقالمن كفر فعليه كفره ومن عمل صالحاً فلأنفسهم يمهدون } الروم 44، وقالمن عمل صالحاً فلنفسه ومن أساء فعليها } فصلت 46، وقد سمَّى الله تعالى ما سيلقاه الإِنسان في الآخرة جزاء وأجراً في آيات كثيرة.

السابقالتالي
2